تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ستعلم يا خَصوم إذا التقينا وعند الله تجتمع الخصوم

إذا علمت كل ما تقدم من استحالة أن يكون السلف على ما عليه المتكلمون من رفض ظواهر نصوص الصفات وذلك بناء على المعطيات المذكورة الثابتة والواضحة بقي الجواب عن جملة من العبارات حاول دعاة التفويض من خلالها إلصاق هذا المذهب بالسلف زورا

ويمكن أن نقسم العبارات المستغلة لإلصاق التفويض بالسلف إلى قسمين:

1 ـ قسم يتكلم عن إعراض السلف عن الاشتغال بتفسير الصفات كتلك التي تنقل عن جماعة من الأئمة بأنهم كانوا يُحَدِّثُونَ بِأحاديث الصفات وَلا يُفَسِّرُونَ شَيْئًا

وكقول الإمام أبي عبيد:

" هذِهِ الأَحَادِيثُ فِي الرِّوَايَةِ هِيَ عِنْدَنَا حَقٌّ، حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، غَيْرَ أَنَّا إِذَا سُئِلْنَا عَنْ تَفْسِيرِهَا لا نُفَسِّرُهَا وَمَا أَدْرَكْنَا أَحَدًا يُفَسِّرُهَا

ونحو هذه العبارات التي بهذا المعنى، وسيأتي ذكر ما ورد منها على وجه التفصيل.

فاستدل بهذه العبارات مَن نَسَب التفويض إلى السلف وزعم أن قوله: " وما أدركنا أحدا يفسرها " ونحوها إنما يدل على أن السلف كانوا لا يثبتون أي معنى للصفات، وأنهم إنما يثبتون ألفاظ الصفات فقط ويفوضون معانيها، وعليه فمئات النصوص التي اشتملت على ذكر الصفات الخبرية كلها مجهولة المعنى لا يُدرَى ما المراد منها ومن اعتقد بما دلت عليه النصوص فهو ضال مشبه فلا يجوز إثبات شيء من معاني تلك النصوص!!

طبعا هذا المفوض الذي ينسب تفويضه للسلف من خلال هذه العبارات قد فهم ما فهمه بناء على أن لفظ التفسير عنده يراد به مجرد ذكر أي معنى للكلمة فمن ذكر أي معنى للصفة فقد فسرها ولو كان هذا المعنى مجرد المعنى الظاهر وعليه فنفي تفسير الصفات يساوي عنده نفي أي معنى لها سواء المعنى الظاهر المجمل أو المعنى المفصل، وهو أيضا فهِم ما فهمه دون أن يجمع ألفاظ وروايات تلك الآثار التي تُبيّن له مرادهم من خلال الألفاظ كاملة.

بالإضافة إلى أن هذه الآثار ليس فيها ما يدل لا من قريب ولا بعيد على أن السلف كانوا يؤولون الظاهر تأويلا مجملا كما تزعم المفوضة

مع أن هذا معنى أساسي للتفويض عندهم، وللشروع في الجواب أذكر ما يلي:

أمثال هذه العبارات هي كغيرها من عبارات أهل العلم في المسائل العلمية لا تخرج في فهمها عن أصول العلم ولا عن ضوابطه فهناك منهجية ثابتة لا يمكن العدول عنها.

من أهمها عدم حمل أي جملة على مفهوم ما مع الجهل بمعانى بعض ألفاظها وخاصة إن كان اللفظ المجهول هو المقصود بتلك الجملة

ولا فرق بين الجهل بمعنى اللفظ من أصله وبين جهل استعمالاته التي يختلف معنى اللفظ فيها بحسب الاستعمال

فلفظة: " التفسير " استعملها أهل العلم في هذا الباب نفسه استعمالات عدة سأذكرها لأبين من خلالها المراد في تلك العبارات ولكن قبل هذا أذكّر بالمعنى اللغوي لهذه اللفظة لشدة ارتباطه بجل هذه الاستعمالات ولا أقول كلها.

جاء في المعجم الوسيط:

" (فسر) الشيء فسرا وضحه ...

و (التفسير): الشرح والبيان، وتفسير القرآن يقصد منه توضيح معاني القرآن الكريم، وما انطوت عليه آياته من عقائد وأسرار وحكم وأحكام " ا. هـ

وقال الخليل:

الفَسْرُ التفسير وهو بيان وتفصيل للكِتاب وفَسَره يفسره فَسْراً وفَسَّرَه تفسيراً ا. هـ

وقال الصاحب بن عباد:

التَفْسِيْرُ؛ وهو بَيَانٌ؛ وتَفْصِيْلُ الكُتُبِ ا. هـ

إذًا هو المعنى التفصيلي والمفصّل وأيضا المعنى العميق الذي يغوص في الأسرار.

وفي اللسان: الفسر كشف المغطى والتفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل.

وهو قول ثعلب وابن الأعرابي والفيروز آبادي

وهذا تأكيد للعمق في المعنى والتفصيل فيه

قال المناوي في كتابه التوقيف:

" بيان التفسير ما فيه خفاء من المشترك أو المشكل أو المجمل أو الخفي "

فهو تفصيل للمجمل وشرح وإبانة للمشكل والمشترك

وقال ابن الجوزي: التفسير إخراج الشيء من معلوم الخفاء إلى مقام التجلي " ا. هـ

وهذا يؤكد معنى العمق في تلك الكلمة.

إذًا ليس مجرد ذكر المعنى الظاهر للكلمة الذي هو أشبه بالترجمة الظاهرة يسمى تفسيرا في اللغة، ليس هذا هو التفسير لغة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير