تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعندما نظرنا في استعمالات العلماء في هذا الباب للفظة التفسير وجدنا كثيرا من منها قد استُعمل بالمعنى اللغوي ولا أقول كلها، فمن تقيد منهم بالمعنى اللغوي ولم يستعمل التفسير إلا فيما كان فيه تفصيل لم يستعمل لفظ التفسير إلا منفيا سواء كان التفصيل بالإثبات كالتكييف أو التفصيل بالنفي كالتأويل فكلاهما تركه السلف وكلاهما نفاه السلف وكلاهما تفسير محظور.

ومن تجوّز في استعمال لفظ التفسير ولم يتقيد بمعناه اللغوي نجده يفرق بين التفسير القائم على التفصيل إثباتا ونفيا فينفيه وينهى عنه، وبين التفسير الغير مشتمل على تفصيل فيثبته، وكلامنا كله هنا عن الصفات الثبوتية.

وعليه فنجد التفسير في استعمالهم منه ما هو منفي ومنه ما هو مثبت

وعلى ضوء هذا المعنى لو نظرنا في تلك الأقوال التي تَنقُل عن جمع من السلف عُدولَهم عن تفسير الصفات وتركَهم تفسيرَها لوجدنا أن المعنى الذي يفهم من تلك العبارات منسجم جدا مع بقية ما ورد عن السلف في الصفات بل نجد هذه العبارات التي تنفي التفسير تشابه الكثير من عبارات الأئمة في نفس هذه المسائل

وعليه فقوله:

كانوا يُحَدِّثُونَ بِأحاديث الصفات وَلا يُفَسِّرُونَ شَيْئًا

المراد: لا يُفصّلون في معاني الصفات وأنهم يتركون المعنى التفصيلي للصفة أوْ بعبارة أخرى لا يتعمّقون في معاني الصفات لأن التفصيل أو التعمق هو من الولوج في التكييف إن كان إثباتا وهو محظور أو في التأويل إن كان نفيا وهو محظور أيضا

وكلاهما هو المعنى اللغوي للفظ التفسير (التعمق والتفصيل)

إذًا السلف لا يفصّلون في إثبات المعاني حتى لا يقعوا في التكييف

وأما مجرد المعنى الظاهر المتبادر من الصفات فلم تنفه هذه العبارت التي تنفي التفسير ولا يدل شيء منها على نفيه، ولم ينفه السلف قط في أي عبارة عنهم

وإن كان مسمى الإجمال والتفصيل أمر نسبي غير أن من المعنى ما هو مجمل لا خلاف في إجماله كالمعنى الذي هو من قبيل الترجمة ومنه ما هو مفصل لا خلاف في تفصيله كالتكييف، وما بينهما من معاني فما قارب المجمل فله حكمه وما قارب المفصل أخذ حكمه وما اشتبه فترك التعرض له هو الواجب

ومما تقدم تعلم أنه يمكن تقسيم التفسير إلى تفسير منفي وهو التكييف والتأويل وتفسير مثبت وهو المعنى الظاهر المتبادر من اللفظ

وعندما تتبعنا استعمالات العلماء وجدنا عين ما ذكرناه، فإليك ما وقفت عليه منها:

أـ استعمال التفسير بمعنى التفصيل في الإثبات وهو التكييف أو التشبيه

فقد جاء عن أبي عبيد نفسه الذي يتعلق به المفوض ما رواه الدارقطني بعلو ومن طريقه ابن البنا في كتابه المختار في أصول الدين:

قال: أخبرنا عُبَيْدُ الله بن أحمد الأزهري, قال: أخبرنا الدارقطني, قال: حدثنا محمد بن مَخْلَد, قال: حدثنا عباس بن محمد الدوري, قال: سمعت أبا عُبَيْدٍ القاسم بن سَلَّام، وذكر الباب الذي يُرْوَى في الرؤيا, والكرسي, وموضع القدمين, وضحك ربنا من قنوط عباده, وقربه من عبده, وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء؟ وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك - عز وجل - قدمه فيها, فتقول: قط قط, وأشباه هذه الأحاديث؛ فقال:

" هذه الأحاديث صِحَاح، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض , وهي عندنا حق لا نَشُكُّ فيها , ولكن إذا قيل: كيف وضع قدمه؟ وكيف ضَحِكَ؟ قلنا: لا نفسر هذا , ولا سمعنا أحدًا يُفَسِّرُهُ ".

فظهر أن مراده بنص كلامه هو تفسير الكيفية: " كيف وضع قدمه، وكيف ضحك؟ قلنا: لا يفسر هذا "

فالتكييف هو التفسير المنفي هنا وعليه فأبو عبيد لم ينف عن الصفات معناها الظاهر ومما يؤكد هذا ما ذكره الإمام الأزهري تلميذ تلاميذ الشافعي فهو قد روى أثر أبي عبيدة فقال:

وأخبرني محمد بن إسحاق السعديّ عن العباس الدُّورِيّ أنه سأل أبا عبيدٍ عن تفسيره وتفسير غيره من حديث النزول والرؤية فقال: هذه أحاديثُ رواها لنا الثِّقاتُ عن الثّقات حتى رفعوها إلى النبي عليه السلام؛ وما رأينا أحداً يفسِّرها، فنحن نؤمن بها على ما جاءت ولا نفسِّرها.

تأمل قوله: " على ما جاءت "

قال الأزهري: أراد أنها تُترك على ظاهرها كما جاءت.

كذا في كتابه تهذيب اللغة

إذًا المعنى الظاهر لا ينفيه أبو عبيد ولم يُرِده بقوله: " ما رأينا أحدا يفسرها "

فأين ما يشغب به المخالف وأين التفويض؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير