ومما يؤكد أنهم يستعملون التفسير ويريدون بذلك الكيف ما ذكره الإمام إسماعيل الأصبهاني في " الحجة " له حيث قال:
" ولا نكيف صفات الله عز وجل، ولا نفسرها تفسير أهل التكييف والتشبيه، ولا نضرب لها الأمثال، بل نتلقاها بحسن القبول تصديقاً "
وكلامه واضح يصيح بالمراد
وروى البيهقي في الاعتقاد قال:
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن يزيد سمعت أبا يحيى البزار يقول سمعت العباس بن حمزة يقول سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول سمعت سفيان بن عيينة يقول كل ما وصف الله من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه ".
قال البيهقي: " وإنما أراد به والله أعلم فيما تفسيره يؤدي إلى تكييف وتكييفه يقتضي تشبيهه له بخلقه في أوصاف الحدوث " ا. هـ
فانظر إلى معنى التفسير عند البيهقي وكيف هو في الأصل عنده بمعنى التفصيل الذي يؤدي إلى التكييف مع أن سفيان إنما عبر بالتفسير إثباتا لا نفيا ولكن البيهقي نبه على أصل التفسير عندهم ونبه إلى أن مراد سفيان هو دعوة من يَتُوق إلى التفسير الذي هو بمعنى التفصيل المؤدي إلى التكييف دعوة هؤلاء إلى الاكتفاء بما يفهم من القراءة فقط (وهو المعنى الظاهر) فكأنه يقول لهم ـ محاكاة ـ: هذا هو تفسيرنا.
كمن يطلب منك حلوى فتعطيه تمرة وتقول له هذه حلوانا تريد صرفه مثلا عن السكريات الغير طبيعية أو لأي سبب آخر
وعلى كل حال فكلام البيهقي نص في أن الأصل في لفظ التفسير هو التفصيل المؤدي إلى الكيف
بل ما فهمه الإمام البيهقي هو مقتضى إحدى روايات سفيان:
فقد روى اللالكائي فقال:
أخبرنا محمد بن رزق الله قال أخبرنا بن عثمان قال نا عيسى بن موسى بن إسحاق الأنصاري قال سمعت أبي يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول:
" كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيف ولا مثل " ا. هـ
فتأمل: " لا كيف ولا مثل " أي ولا التفسير الذي يؤدي إلى الكيف والمثل.
ومن أمثلة هذا أيضا أنه في بعض الروايات لبعض مرويات السلف جاءت كلمة (الكيف) مكان كلمة (التفسير) فمن ذلك:
قال الوليد بن مسلم سألت الأوزاعي ومالك والثوري والليث عن الأحاديث التي فيها الصفات فكلهم قالوا:
" أمروها كما جاءت بلا تفسير " وفي رواية: " بلا كيف "
لتعلم أن نفي التفسير يأتي بمعنى نفي الكيف
وقال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن ابي سلمة الماجشون احد ائمة المدينة المشاهير قال في كلامه المشهور عنه وقد سئل فيما جحدته الجهمية:
" أما بعد فقد فهمت ما سألت فيما تتابعت فيه الجهمية ومن خالفها في صفة الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير وكلّت الألسن عن تفسير صفته وانحسرت العقول دون معرفة قدره، وردت عظمتَه العقولُ فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وهي حسيرة فانما امروا بالنظر والتفكير فيما خلق بالتقدير وانما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان فأما الذي يحول ولا يزول ولم يزل وليس له مثل فانه لا يعلم كيف هو الا هو وكيف يعرف قدر من لم يبدأ ولا يموت ولا يبلى وكيف يكون لصفة شيء منه حد او منتهى يعرفه عارف او يحد قدره واصف " ا. هـ
فهنا نفى التفسير بقوله: كلت الألسن عن تفسير صفته
ثم علل قائلا: " وانما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان " فدل على مراده بالتفسير وأنه التكييف والسياق واضح في هذا
وقال الإمام الترمذي في سننه:
" وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه ومعنى قوله في الحديث فيعرفهم نفسه يعني يتجلى لهم " ا. هـ
فقرن التفسير بالكيف
وانظر كيف بيّن معنى الحديث ومعنى تعريفه بنفسه وأنه تعريف حقيقي عن طريق التجلي مع أنه نفى تفسيره! لتعلم أن مجرد المعنى الظاهر هو مثبت عندهم وغير منفي.
قال إمام الشافعية وكبيرهم الإمام ابن سريج في جوابه في الاعتقاد عن صفات الله:
¥