" صدق فقيهُ بغداد وعالمُها في زمانه؛ إذ السؤال عن النزول ما هو؟ عيٌّ؛ لأنَّه إنما يكون السؤال عن كلمة غريبة في اللغة، وإلاّ فالنزول والكلام والسمع والبصر والعلم والاستواء عباراتٌ جليّةٌ واضحةٌ للسامع، فإذا اتّصف بها من ليس كمثله شيء، فالصفة تابعةٌ للموصوف، وكيفية ذلك مجهولة عند البشر، وكان هذا الترمذي من بحور العلم ومن العباد الورعين " ا. هـ
ومثله ما جاء عن ثعلب فقد سئل عن قول النبي ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره.
فقال ثعلب:
" الحديث معروف وروايته سنة والاعتراض بالطعن عليه بدعة وتفسير الضحك تكلف وإلحاد أما قوله وقرب غِيَره فسرعة رحمته لكم وتغيير ما بكم من ضر " ا. هـ
والتكلف هو السفسطة التي نعنيها
ومن معاني الصفات ما يفهم من خلال أحكام الصفة التي يصح تعلقها بها ومن خلال لوازمها وآثارها ومن خلال ما يقارب لفظها من مرادف أو ما يعكسه من مضاد
وفي قواميس اللغة يقولون كذا معروف أو هو ضد كذا من باب بيان معناه وهي طريقة معتبرة في بيان المعنى
فإذا لجأ المعظم لربه لمثل هذا في بيان معاني الصفات حتى لا يخطئ في التعبير ولا يفتح باب الخلاف أكثر مما هو مفتوح و .. و ..
اعترضه بعض شياطين الإنس يؤزونه إلى الخوض في المعاني أزًّا
وهذه سياسة يفتشون بها عن ثغرة لنقد المثبت بعد عجزهم عن الكلام في السليم
لو جاء أحد وقال أنا أثبت كل صفة بالمعنى المشهور المعروف على ما يليق بالله فيقول أثبت الغضب والفرح والوجه النزول على المعنى المعروف لكني أترك شرح ذلك خوفا من الخطإ في التعبير أو سدا لباب الخلاف أو اكتفاء بتعبير الكتاب والسنة
فالعاقل يعلم أن مثل هذا مقبول ولا فيه ما يعيب
مثل هذا كيف يسبه المعطل لو كان صادقا ويستفزه ليعبر بالطريقة التي يمليها ذلك المعطل بما يظن أنها تلزم المثبت
فهذا تصرف من أعيته الحجج والبراهين ولم يجد ما يعيب فلم يجد إلا التعجيز فهو المهرب الوحيد
فتلك الصفات كالنزول والضحك والرضى والغضب والمجيء ونحوها عندما نضيفها نحن إلى الله ننفي عنها كل ما يختص بالمخلوق فمالذي صيرها مجهولة بعد أن كانت قبل الإضافة معلومة؟!
والأخ عوين هداه الله ينطلق في هذا السؤال ـ شعر أم لم يشعر ـ من منطلق أهل السفسطة والكلام الذين يُقدّمون ما يقوله أرسطو على ما يقوله رب العالمين!!
فهو ينطلق من القاعدة الكلامية التي تقول:
(التَّصَوُّرَ لَا يُنَالُ إلَّا بِالْحَدِّ)
وهو على ضوء تطبيقه يزعم أن التصور لا يحصل عند صاحبه إلا بحدّه لما يدّعي تصوّرَه، وهذه مناقضة للعقل الذي لطالما لفقوا باسمه كل باطل.
فباتفاق العقلاء أن الناس على اختلافهم بين عالم وجاهل وناطق وأبكم يتصورون ويدركون معاني كثير من المسميات، كمسمى الإنسان والحيوان والوجود والعدم ونحوها من المسميات، مع عجز الكثير عن حدها والتعبير بدقة عنها وهذا لاينفي قيام التصور للمراد في أنفسهم بل خاصة أولئك الناس الذين يزعمون اشتغالهم بحدود الأشياء لا يكاد يتفقون على حدّ منها ولا يكاد يسلم حدّ منها من الاستدراك.
وكما يقول الإمام الفحل شيخ الإسلام:
" إلَى السَّاعَةِ لَا يُعْلَمُ لِلنَّاسِ حَدٌّ مُسْتَقِيمٌ عَلَى أَصْلِهِمْ بَلْ أَظْهَرُ الْأَشْيَاءِ الْإِنْسَانُ وَحَدُّهُ بِالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضَاتُ الْمَشْهُورَةُ. وَكَذَا حَدُّ الشَّمْسِ وَأَمْثَالُهُ حَتَّى إنَّ النُّحَاةَ لَمَّا دَخَلَ مُتَأَخِّرُوهُمْ فِي الْحُدُودِ ذَكَرُوا لِلِاسْمِ بِضْعَةً وَعِشْرِينَ حَدًّا وَكُلُّهَا مُعْتَرَضَةٌ عَلَى أَصْلِهِمْ. وَالْأُصُولِيُّونَ ذَكَرُوا لِلْقِيَاسِ بِضْعَةً وَعِشْرِينَ حَدًّا وَكُلُّهَا أَيْضًا مُعْتَرَضَةٌ. وَعَامَّةُ الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الْفَلَاسِفَةِ وَالْأَطِبَّاءِ وَالنُّحَاةِ وَأَهْلِ الْأُصُولِ وَالْكَلَامِ مُعْتَرَضَةٌ لَمْ يَسْلَمْ مِنْهَا إلَّا الْقَلِيلُ فَلَوْ كَانَ تَصَوُّرُ الْأَشْيَاءِ مَوْقُوفًا عَلَى الْحُدُودِ وَلَمْ يَكُنْ إلَى السَّاعَةِ قَدْ تَصَوَّرَ النَّاسُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ وَالتَّصْدِيقُ مَوْقُوفٌ عَلَى التَّصَوُّرِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ تَصَوُّرٌ لَمْ يَحْصُلْ تَصْدِيقٌ فَلَا يَكُونُ عِنْدَ بَنِي آدَمَ عِلْمٌ مِنْ عَامَّةِ عُلُومِهِمْ
¥