وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ السَّفْسَطَةِ ... "
إلى أن قال عن أولئك المسفسطين:
" وَصَارُوا يُعَظِّمُونَ أَمْرَ الْحُدُودِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ هُمْ الْمُحَقِّقُونَ لِذَلِكَ. وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُمْ مِنْ الْحُدُودِ إنَّمَا هِيَ لَفْظِيَّةٌ لَا تُفِيدُ تَعْرِيفَ الْمَاهِيَّةِ وَالْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ حُدُودِهِمْ. وَيَسْلُكُونَ الطُّرُقَ الصَّعْبَةَ الطَّوِيلَةَ وَالْعِبَارَاتِ الْمُتَكَلَّفَةَ الْهَائِلَةَ وَلَيْسَ لِذَلِكَ فَائِدَةٌ إلَّا تَضْيِيعُ الزَّمَانِ وَإِتْعَابُ الْأَذْهَانِ وَكَثْرَةُ الْهَذَيَانِ. وَدَعْوَى التَّحْقِيقِ بِالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ وَشَغْلُ النُّفُوسِ بِمَا لَا يَنْفَعُهَا بَلْ قَدْ يَصُدُّهَا عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ " ا. هـ
وصدق في حقكم هذا الإمام الفحل الذي جعلكم أضحوكة الطوائف فها هو شيخكم الغزالي في المنخول بعد أن زيّف جميع تعاريف من سبقه لـ"العلم" قال:
" والمختار أن العلم لا حد له إذ العلم صريح في وصفه مفصح عن معناه ولا عبارة أبين منه، وعجْزُنا عن التحديد لا يدل على جهلنا بنفس العلم " ا. هـ
فمع أن هذا الكلام منه قائم على أصول المتكلمين لكنه اعترف أن عدم التحديد للمعنى لا يعنى عدم العلم بالمحدَّد.
فعاد المجادِل في هذه الحدود ومن يهتم بطرحها متسفسطا مغرضا
وقد اعتاد هذا وأمثاله على السهل من الطرح في مناقشة المسائل فيوجهون أسئلةً كالبشوات!! ويكتفون بهذا لعجزهم، وهي في الحقيقة ترِد عليهم وتَلزمُهم من جنس مايُلزِمون به خصومهم
فنقول له:
اذكر معنى الوجود بحيث يصدق على كل موجود
اذكر معنى الحياة بحيث يصدق على كل حي
أنا أعرف أنه الآن ببلوغه هذا السؤال يتتعتع
يقال له عرّف العلم والقدرة والسمع والبصر بنفس الطريقة التي تطالب بها المخالف حيث أنك لا تكتفي بما يذكره لك من معاني وتتكلف معه في تصعيب المهمة
أيها الإخوة ألم يتخبط الكثير من الأشاعرة في معنى السمع والبصر حتى حملها جماعة منهم على نوع من العلم
فمن كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة
وإذا نظرنا إلى تعريفات علمائهم لبعض الصفات وجدناها على الطريقة التي يستنكرها علينا المتسفسطة
يقول الإمام البيهقي في كتابه الأسماء والصفات:
"السميع من له سمع يدرك به المسموعات، والبصير من له بصر يدرك به المرئيات، والكل منهما في حق الباري صفة قائمة بذاته – تعالى "
ويقول الخطابي عن صفة البصر:
" الْبَصِيرُ هُوَ الْمُبْصِرُ "
وقَالَ ايضا عن السمع:
" السَّمِيعُ بِمَعْنَى السَّامِعُ "
وقال محمد عبده وهو أشعري غال في رسالة التوحيد:
" ومما ثبت له بالنقل صفة البصر وهى ما به تنكشف المبصرات وصفة السمع وهى ما به تنكشف المسموعات فهو السميع البصير "
فالأشاعرة من أكثر من يتتعتع في بيان معاني الصفات
فانظر كتب الغزالي والآمدي والإيجي ترى العجب
وبالله انظروا ما سطره الآمدي في غاية المرام عن صفتي السمع والبصر
فلماذا لا تتسفسطون على أئمتكم كما تتسفسطون علينا؟!
والوجود كصفة مع وضوحه وضوحا تاما لكل عاقل فإنه ليس من السهل استحضار معنى له يُتَّفقُ عليه ويُذكر في جملة فضلا عن كلمة كما يطالبنا بعضهم بذكر معاني الصفات عن طريق لفظ واحد مرادف
وآخر لا يعتبر اللفظ المرادف من قبيل ذِكر المعنى حتى تشرح له المعنى
ومع تجاوبنا بذكر المعاني مرادَفة وشرحا يتسفسط علينا هؤلاء المسفسطة ليستمر لهم تغطية العجز فما أعجز أهل البدع
فالنزول كصفة
لو قلنا للمُسفسِط هو الهبوط لاعترضَ وزعم أن هذا قصور وأنه لا يشتمل على أي معنى وهذا كذب منه
فلو قلنا له: هو فعل يقوم بالذات يقترب به الرب إلى المنزول إليه قربا حقيقيا ويكون من أعلى إلى أدنى
لو قلنا له هذا لأصر على سفسطته وهوسه القائم على محاولة تغطية العجز بإلصاقه بالغير
فنحن لا نملك أن نشفي هؤلاء المرضى لحالتهم النفسية المتردية
إن لم تكن هذه معاني فماذا تسمونها؟
وعلى كلٍّ فنحن نثبت هذا ونسميه معنى فسموه أنتم ما شئتم
يا إخواننا عندما يقول عالم كأحمد أو غيره عن الله يتكلم بصوت وأنه ينادي بصوت مسموع
يأتينا المفوض ويقول لا نثبت معنى الصوت
الصوت الذي يُسمع عند الكلام عن نداء ماذا سيكون؟
ما هذا التفويض البارد؟!
إنها السفسطة!
¥