ومنها أنه لا يجوز له أن يقدم في مال بيت المال غير الأحوج على الأحوج، قال السبكي في فتاويه: فلو لم يكن إمام فهل لغير الأحوج أن يتقدم بنفسه فيما بينه وبين الله تعالى إذا قدر على ذلك؟ ملت إلى أنه لا يجوز واستنبطت ذلك من حديث إنما أنا قاسم والله المعطي، قال: ووجه الدلالة أن التمليك والإعطاء إنما هو من الله تعالى لا من الإمام فليس للإمام أن يملك أحدا إلا ما ملكه الله وإنما وظيفة الإمام القسمة والقسمة لا بد أن تكون بالعدل، ومن العدل تقديم الأحوج والتسوية بين متساوي الحاجات، فإذا قسم بينهما ودفعه إليهما علمنا أن الله ملكهما قبل الدفع وأن القسمة إنما هي معينة لما كان مبهما كما هو بين الشريكين فإذا لم يكن إمام، وبدر أحدهما واستأثر به كان كما لو استأثر بعض الشركاء بالماء المشترك ليس له ذلك. قال ونظير ذلك ما ذكره المارودي في باب التيمم أنه لو ورد اثنان على ماء مباح وأحدهما أحوج فبدر الآخر وأخذ منه أنه يكون مسيئا.
وإذا أذن صاحب ولاية لشخص بأن يستهلك مالا للمسلين بغير حق فإن ضمان المال على من أخذه واستهلكه.
ومنها وقع بعد السبعمائة ببلاد الصعيد أن عبدا انتهى الملك فيه لبيت المال فاشترى نفسه من وكيل بيت المال فأفتى جلال الدين الدشناوي بالصحة فرفعت الواقعة الى القاضي شمس الدين الأصبهاني فقال لا يصح لأنه عقد عتاقه وليس لوكيل بيت المال أن يعتق عبد بيت المال قال ابن السبكي في التوشيح والصواب ما أفتى به الدشناوي فان هذا العتق إنما وقع بعوض فلا تضييع فيه على بيت المال.
ويضيف ابن نجيم الحنفي بقوله: وقد صرحوا به –أي فقهاء الحنفية- في مواضع منها:
في كتاب الصلح في مسألة صلح الإمام عن الظلة المبنية في طريق العامة.
وصرح به أبو يوسف في مواضع من كتاب الخراج.
ومنها أن السلطان إذا ترك العشر لمن عليه جاز غنيا كان أو فقيرا لكن إن كان المتروك له فقيرا فلا ضمان على السلطان وإن كان غنيا ضمن السلطان العشر للفقراء من بيت مال الخراج لبيت مال الصدقة اهـ.
قال ابن عابدين معقبا: وما في الأشباه ذكر مثله في الذخيرة عن شيخ الإسلام بقوله لو كان غنيا كان له جائزة من السلطان ويضمن مثله من بيت الخراج لبيت الصدقة ولو كان فقيرا كان صدقة عليه فيجوز كما لو أخذه منه ثم صرفه إليه ولذا قالوا بأن السلطان إذا أخذ الزكاة من صاحب المال فافتقر قبل صرفها للفقراء كان له أن يصرفها إليه كما يصرفها إلى غيره.
ويذكر الماوردي في الأحكام السلطانية أن من واجبات الإمام:
• تقدير العطايا وما يستحق في بيت المال من غير سرف ولا تقتير، ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير.
• استكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوض إليهم من الأعمال ويكله إليهم من الأموال لتكون الأعمال بالكفاءة مضبوطة، والأموال بالأمناء محفوظة.
وهوامش ما سبق على التوالي:
الأشباه والنظائر للسيوطي ص 172، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص 123، ومجلة الأحكام م 58، والمدخل الفقهي العام للزرقاء فقرة 662، والمنثور 1/ 309.
الوجيز في إيضاح القواعد الكلية ص 347.
انظر الخراج لأبي يوسف ص 65.
تفسير ابن كثير 1/ 455.وبنحوه في الخراج لأبي يوسف ص 36.
الأشباه والنظائر لابن السبكي 1/ 130.
مجموع الفتاوى 28/ 254.
جمهرة القواعد الفقهية 1515.
المحلى 8/ 113، ومجموع فتاوى ابن تيمية 30/ 413.
إتحاف السادة المتقين 6/ 545.
شرح السنة للبغوي 2236.
مجموع فتاوى ابن تيمية 28/ 568.
رواه الخمسة وابن حبان والحاكم بسند حسن، كما في نصب الراية 3/ 195.
الأشباه والنظائر للسيوطي ص 172.
الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 123 - 124.
حاشية ابن عابدين 2/ 337 ومثله في 6/ 735.
الأحكام السلطانية للماوردي – تحقيق خالد العلمي – دار الكتاب العربي – بيروت بدون تاريخ.
ويتبع إن أعان الله.
ـ[هادي بن سعيد]ــــــــ[31 - 03 - 06, 07:10 م]ـ
لكن العلماء ـ رحمهم الله ـ تكلموا في بعض الولايات إذا وقع من صاحبها إتلاف، ولعله يقاس عليها
مثل قولهم في ولاية الفتوى (مَنْ أتلف مالاً بفتواه ضَمِنَ إن لم يكن مِنْ أهل الاجتهاد)
ـ[عبدالعزيز بن سعد]ــــــــ[01 - 04 - 06, 12:45 ص]ـ
شكر الله لك يا شيخ هادي مداخلتك
ولعلي بحاجة إلى ذكر أمثلة توضح امقصود:
تقدم عدد من المهندسين إلى وظيفة عامة، والشروط منطبقة على الجميع، فاختاروا أحد المتقدمين للوظيفة، ولم يكون أساس اختيارهم عدد سنوات الخبرة أو معدله في الكلية، ولكن رأى المسؤول أن هذا الشخص هو المناسب، فتظلم الباقون للقضاء بدعوى المحاباة، والتعسف في استعمال السلطة التقديرية، فهل لهم حق شرعا.
وتقدم عدد من المقاولين بعطاءاتهم = عروضهم، لعمل حكومي -طريق على سبيل المثال- فاختار المسؤول أحدهم لا لكونه الأقل سعرا، وإنما سبب اختياره بأنه الأكفأ في نظره، فشكى الباقون للقضاء بدعوى المحاباة، والتعسف في استعمال السلطة التقديرية، فهل لهم حق شرعا.
ورنقل مدير حكومي موظفا إلى منطقة أخرى بدعوى حاجة العمل، فتقدم المنقول للقضاء بدعوى إرادة الإضرار به، والتعسف في استعمال السلطة التقديرية، فهل لهم حق شرعا.
وتقدم دكتور بطلب الترقية إلى أستاذ مشارك مع إكمال المدة القانونية للترقية، مع عدة أبحاث، فاجتمع مجلس القسم ورأوا أن الأبحاث لا تتسم بالإبداع والذي هو من شروط أبحاث الترقية، فتظلم للقضاء بدعوى التعسف في استعمال السلطة التقديرية، فهل لهم حق شرعا.
وهي قضايا كثيرة، يمتلئ بها ديوان المظالم في السعودية، ومجلس الدولة في مصر، والقضاء الإداري في جمع من الدول.
والبحث من جانبين:
1 - دعوى إلغاء القرار المبني على السلطة التقديرية.
2 - دعوى طلب التعويض عن الضرر الحاصل من القرار.
اللهم اهدنا وسددنا.
ويتبع إن أعان الله ....
¥