تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[من فقه التعامل مع المخالف]

ـ[د ـ عبدالله التويجري]ــــــــ[16 - 08 - 06, 09:52 م]ـ

مبارك بقنه

في قراءة سريعة لواقعنا نجد أن هناك خللاً في فقه التعامل مع المخالف، وحقيقة لن نستطيع نردم هوة الخلاف بين المسلمين إلا إذا تركنا الغلو والخروج عن الإطار الشرعي في كيفية التعامل مع المخالف. ومن الغلو ـ الناتج لاستجابات واقع الأمة المتردي ـ مصادرة الرأي المخالف، والتسلط الفكري الأحادي. فعدم القدرة على التعامل مع المخالف بصورة طبيعية، لا شك أنه يولد تنافر وتشاحن بين المتخالفين بحيث يصبح كل فريق في طرف بعيد عن الآخر مما يبعدهم عن الاعتدال والوسطية، ويزرع بينهم الشقاق والفرقة. وإن كانوا هم على منهج واحد تجمعهم ظلال السنة والجماعة.

وهنا اذكر بعض النقاط الأساسية في التعامل مع المخالف [1]، والتي تساعد عند تطبيقها على إقامة جسور محبة بيننا، وإزالة كثير من الحواجز والموانع التي تحول بيننا وبين فهم الآخر فمن هذه الأساسيات:

أولاً: تحديد القضايا المتنازع عليها تحديداً دقيقاً وواضحاً لكلا الطرفين، فالفهم السليم والصحيح للمعاني والمقاصد مع الاتفاق على هذا الفهم هو من الأوليات الأساسية، والمقومات الضرورية لدفع الاضطراب الفهمي، " فكثيراً ما يثور الخلاف بيننا في مسألة، ويشتد الجدال في موضوع، ويظهر أن المتجادلِين على خلاف فيما بينهم، وهم في الواقع على اتفاق، ولو حددت ألفاظهم لتجلًى لهم أنهم على رأي واحد. وليس منشأ الخطأ في الفهم إلا الغلط في تحديد الألفاظ أو غموضها وتعقيدها والتباسها، لذلك كان "فولتير" يبدأ المناقشة دائماً بقوله:"حدد ألفاظك"؛ فالعلم بمعاني الألفاظ علماً صحيحاً لا يستغنى عنه للتفكير الصحيح ولا للحكم الصحيح. [2] "

وقد درج العلماء قبل الخوض في أي موضوع أن يقدموا في بداية أبحاثهم تعريفاً لغوياً وشرعياً للموضوع لكي تكون المنطلقات الأساسية واضحة وخالية من أي لبس. لذلك يقول ابن حزم ـ رحمه الله ـ:" إن الآفة العظيمة إنما دخلت على الناس ـ وتمكن بهم أهل الشر والفسق والتخليط والسفسطة ولبسوا عليهم دينهم ـ فمن قبل اشتراك الأسماء واشتباكها على المعاني الواقعة تحتها. ولذلك دعونا في كتبنا إلى تمييز المعاني، وتخصيصها بالأسماء المختلفة، فإن وجدنا في اللغة اسماً مشتركاً حققنا المعاني التي تقع تحته، وميزنا كل معنى منها بحدوده التي هي صفاته التي لا يشاركه فيها سائر المعاني. [3] " ويقول شيخ الإسلام رحمه الله: "لألفاظ المشهورة بين النظار التي كثر فيها نزاعهم، وعامتها ألفاظ مجملة تتناول أنواعا مختلفة: إما بطريق الاشتراك لاختلاف الاصطلاحات، وإما بطريق التواطؤ مع اختلاف الأنواع، فإذا فسر المراد وفصل المتشابه تبين الحق من الباطل والمراد من غير المراد [4] "

وهذه السمة بارزة في منهج ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فلقد كان مما يتميز به استوضاحه واستفساره قبل مقارعة الخصوم عن معاني ومقاصد الألفاظ، فكان كثيراً ما يقول: إن كنت تقصد باللفظة كذا فالحكم كذا، وإن كنت تقصد كذا فالحكم كذا ـ يقول ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى: "وجد كثيرا في كلام السلف والأئمة النهي عن إطلاق موارد النزاع بالنفي والإثبات، وليس ذلك لخلو النقيضين عن الحق، ولا قصور، أو تقصير في بيان الحق، ولكن لأن تلك العبارة من الألفاظ المجملة المتشابهة المشتملة على حق وباطل ففي إثباتها إثبات حق وباطل وفي نفيها نفي حق وباطل، فيمنع من كلا الإطلاقين، بخلاف النصوص الإلهية فإنها فرقان فرق الله بها بين الحق والباطل، ولهذا كان سلف الأمة وأئمتها يجعلون كلام الله ورسوله هو الإمام والفرقان الذي يجب إتباعه، فيثبتون ما أثبته الله ورسوله، وينفون ما نفاه الله ورسوله، ويجعلون العبارات المحدثة المجملة المتشابهة ممنوعا من إطلاقها: نفيا وإثباتا، لا يطلقون اللفظ ولا ينفونه إلا بعد الاستفسار والتفصيل فإذا تبين المعنى أثبت حقه ونفى باطله، بخلاف كلام الله ورسوله فإنه حق يجب قبوله، وإن لم يفهم معناه، وكلام غير المعصوم لا يجب قبوله حتى يفهم معناه [5] "وقد ورث تلميذه ابن القيم ذلك عنه ـ كما يظهر ذلك جلياً في كتبه القيمة. وهذا المنهج الاستفساري ـ إن صحت التسمية ـ وهو المنهج العدل، نجده غائباً في بعض نقاشاتنا وحواراتنا وأطروحاتنا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير