والخلاصة: أن أصل النظام واستمداده، ثم واضعه، وجهة التحاكم فيه؛ كلها مرجعها ومآلها إلى غير شرع الله، وهذا في الجملة.
وحتى تصح المشاركة والمساهمة في الشركات القائمة؛ لابد من إصلاح وضعها، واستمداد نظامها من الشريعة الإسلامية وفق الضوابط الشرعية، وحسبما نص عليه أهل العلم، وقد أبلى علماؤنا وفقهاؤنا في كتاب الشركات بلاءً حسناً، حتى إن الموفق ابن قدامة رحمه الله كتب فيه أكثر من ثمانين صفحة ([1]).
رابعاً: الأسباب الحاملة على الاشتراك في شركات الأسهم:
لعل أهم الأسباب التي حملت أكثر الناس على الوقوع في المساهمات دون دراسة وتحقق ما يلي:
1 - الدعاية والإعلان، وترغيب الناس في ارتفاع قيمة الأسهم فور بداية التداول.
2 - كثرة الطمع في الإثراء السريع بدون تعب.
3 - تقصير بعض المسلمين في أداء الزكاة والحقوق الواجبة عليهم؛ فسلط الله على أموالهم من يستنزفها ويضحك عليهم.
4 - سد باب القرض الحسن، الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم في الأجر بثمانية عشر ضعفاً، والصدقة بعشر حسنات، وكون القرض مرتين يقوم مقام صدقة.
5 - التساهل في الفتوى، فتجد البعض يقولون: هذه شركات نقية، وأخرى مختلطة، وثالثة محرمة، دون دراسة لواقع تلك الشركات ومخاطر المساهمات، وما يقع فيها من الكذب والتحايل والجهالة والغرر ما الله به عليم.
وكل يوم تسمع فتوى غير الأخرى، فشيخ يقول: ساهم في الشركات السعودية وقلبك مطمئن دون تفريق، وآخر يفصل ويدخل بعض الشركات في النقية، ثم لا يلبث أن يظهر له عدم نقائها فيلحقها إما بالمختلطة أو بالمحرمة .. وقد أحدث هذا الاختلاف بلبلة بين الناس، فلا يدرون من يصدقون!
خامساً: مخالفة نظام شركات الأسهم للتشريع الإسلامي في الشركات:
بعد النظر في نظام شركات الأسهم الموضوع لها والمستمد من القانون المدني المصري المستمد من القانون الفرنسي -يتبين لكل منصف أن هناك مخالفات شرعية واضحة، لا يتردد الناظر فيها عن القول بتحريم التعامل مع هذه الشركات، بناءً على القول بتحريم إقامة وتأسيس هذه الشركات ابتداءً.
وهذه المخالفات نجملها فيما يلي:
1 - الأصل أن عقد الشراكة بين اثنين فأكثر عقد جائز بإجماع الفقهاء، أي أن لكل أحد من الشركاء أن يفسخ العقد متى شاء، ويتفاسخ الشركاء بالطريقة التي نص عليها الفقهاء رحمهم الله.
أما نظام شركات الأسهم فإنه يجعل عقد الشراكة عقداً إلزامياً؛ بدليل: أن المساهم في أي شركة لا يستطيع أن يبيع حصته على الشركاء؛ بل لابد أن يكون ذلك عن طريق الشركة وبواسطة البنوك، فلو أراد شخص أن يتخلص من أسهمه في شركة بسبب تعاملها بالربا، أو لكونها تبيح بيع الأسهم وتداولها قبل أن يبدأ العمل بها، فلا يجوز له ذلك في نظامهم إلا أن يأتي بمشترٍ يحلّ محلّه، أو يصبر على الحرام، فلو خرج مليون مشترك فلابد أن يحل محلهم بعددهم، وهذا مخالف لنظام الشركات في الإسلام، الذي يجعل للشريك الحق في فسخ عقده وسحب سهمه متى شاء، وبدون أي شروط أو قيود.
2 - الأصل أن الشركات تنبني على عقود مشاركات تضبطها، ولا تلزم بنمط معين بحيث تصبح وكأنها ليست عقوداً اتفاقية بين الشركاء، فالعقد هو الذي يضبطها، وهو الذي يلزم الشركاء بالعمل وفق ما جاء فيه، وما تم الاتفاق عليه بين الشركاء أنفسهم.
أما في ظل النظام القائم لشركات الأسهم فإن القانون هو الذي يحكم وليس العقد، ومن يخرج عن القانون ولو ابتغاء التصحيح يدخل تحت طائلة العقوبات التي يقررها القانون، وفي هذا مخالفة صريحة للتشريع الإسلامي في الشركات، وفيه إلزام للشركاء بما لم يلزموا به شرعاً.
3 - النقص الظاهر في القانون المنظم للشركات؛ إذ لا يشتمل في مواده إلا على نوعين من الشركات هما: شركة الأموال، وشركة المضاربة؛ على نقص في النوع الثاني، أما شركة الأبدان، وشركة الوجوه، وشركة المفاوضة، فلا وجود لها في نظام الشركات القائم؛ لأن أعمال الشركات تدار من خلال البنوك، وهي لا تعرف إلا المال.
¥