1 - ففي مسألة الضمان كان الالتزام من طرف واحد في حين أن الالتزام في عقد التأمين من الطرفين [43].
2 - ولأن الضمان من عقود التبرعات التي يراد بها المعروف , والتأمين عقد معاوضة مالية فلا يصح القياس بينهما.
3 - ثم إن مسألة ضمان خطر الطريق مبعثها تغريره للسالك وإخباره بأنه آمن لا لمجرد الضمان , أما شركات التأمين فهي تقرر التضمين مطلقاً [44].
4 - كما أن للضامن أن يرجع على المضمون بما دفع عنه وليس الحال كذلك في التأمين لكونه معاوضة لا ضماناً.
الثالث: قياس عقد التأمين على نظام التقاعد وأشباهه. وذلك أن نظام التقاعد عقد معاوضة يقوم على اقتطاع جزء ضئيل من مرتب الموظف شهرياً ليصرف له تعويض في نهاية خدمته وهذا يشبه أقساط التأمين وعوضه وفي كليهما لا يدري الشخص كم يستمر دفعه ولا كم يبلغ مجموعه ثم قد يستلم ما يزيد كثيراً على مجموع الأقساط وقد لا يستلم شيئاً فإذا جاز نظام التقاعد فليكن الحكم مثله للتأمين [45].
ونوقش: بأن التقاعد ليس عوضاً عما اقتطع من الموظف شهرياً و إلا لوجب توزيعه على سنن الميراث ولم يجز أن يحرم منه الموظف ولا ورثته بعده وإنما التقاعد مكافأة التزم بها ولي الأمر باعتباره مسئولاً عن رعيته وراع في احتسابها ما قام به الموظف من خدمة ومصلحة أقرب الناس إليه ومظنّة الحاجة فيهم. فليس التقاعد معاوضة بين الدولة وموظفيها ولا يقوم على أساس التجارة وتحصيل الأرباح.
هذا وقد استدل أصحاب هذا القول بأقيسة أخرى تشترك جميعها في أنها لا يصح التخريج عليها لعدم توافر شروط القياس وأهمها أن يكون المقيس عليه متفقاً عليه لئلا يمنع المخالف حكم الأصل وهذا ممكن في جميع الأقيسة.
كما أنه يوجد الفارق بين عقد التأمين وبين المقيس عليه وأما القول الثالث فاستدل على ما منع بأدلة المانعين وعلى ما أباح بأدلة المبيحين وقد سبق ذلك.
القول الراجح:
القول الراجح مما سبق بعد تأمل الأدلة هو القول بتحريم هذا العقد لكون أدلتهم أقوى استنباطاً وأتم دلالة , فمن أباح التأمين اعتمد على أقيسة مأخوذة من استنتاجات الفقهاء بينما المحرِّم له استند إلى نصوص شرعيَّة وقواعد أساسيَّةٍ أجمع المجتهدون على الأخذ بها.
كما أن التأمين لا يتضمن مصلحة غالبة وسبق أن نشر تفسير ذلك جلياً [46].
وليس فيه مصلحة للمجتمع في النهاية بل كل ما يترتب عليها هو نقل عبء الخطر برمته من عاتق شخص إلى عَاتِق شخص آخر وهذا ليس فيه أيَّة فائدة للمجتمع [47]. وله خطورة على اقتصاد الدولة من حيث سيطرة شركات التأمين ممثلة في أفراد قلائل على مدخرات المواطنين وتوجيهها وفق هواها ومصالحها الخاصة مما اضطر بعض الدول إلى تأميم شركات التأمين [48].
ثالثاً: البديل الشرعي لعقد التأمين التجاري.
لا شك أن التعاون في تفتيت الأخطار ومواجهة الظروف والتكافل في حلها مما يدعو إليه الإسلام وقرره في تشريعات مختلفة كالزكاة التي هي مظلة التأمين الكبرى لجميع المواطنين في المجتمع الإسلامي وكواجب الإنفاق على القرابة والضيف وكواجب بيت المال في تأمين حد الكفاية لكل فرد في المجتمع الإسلامي.
ومن وسائل التعاون التي أفتت المجامع الفقهية المعاصرة بجوازها ما يسمى بالتأمين التعاوني [49].
والمراد به في ضوء القرارت المشار إليها: قيام جماعة يتفق أفرادها على تعويض الأضرار التي قد تنزل بأحدهم نتيجة خطر معين وذلك من مجموع الاشتراكات التي يتعهد كل فرد منهم بدفعها.
فهذا عقد تبرع يقصد به التعاون ولا يستهدف تجارة ولا ربحاً كما أنه يخلو من الربا ولا يضر جهل المساهمين فيه بما يعود إليهم من النفع لأنهم متبرعون فلا مخاطرة ولا غرر ولا مقامرة.
وأبسط تصوير لهذا التأمين هو أن تكون أسرة أو جماعة صندوقاً ويدفعوا مبالغ يؤدى من مجموعها تعويض لأي فرد منهم يقع عليه الخطر فإن لم تفي المبالغ التي دفعوها سَدَّدوا الفرق المطلوب وإن زاد شيء بعد التعويضات أُعيد إليهم أو جُعل رصيداً للمستقبل ويمكن أن يوسَّع هذا التصور المبسط ليطور هذا الصندوق ليكون هيئة أو مؤسسة يتفرغ لها بعض العاملين لتحصيل المبالغ وحفظها وصرف التعويضات ويكون لها مجلس إدارة يقرر خطط العمل وكل ذلك بمقابل أجر معين أو تبرعاً منهم.
بشرط أن يكون مبناه التبرع ولا يقصد منه تحصيل الأرباح وغاية جميع أطرافه التعاون [50].
¥