ـ[الحنبلي السلفي]ــــــــ[31 - 07 - 09, 05:12 م]ـ
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ...
أما بعد: فهذا جزء من بحث لديّ كنت كتبته في تحرير هذا الخلاف الذي وقع بين الأصحاب رحمهم الله تعالى في تصويب عبارة الزاد أو الروض، حيث قال في الزاد مع شرحه الروض المربع ط: ابن قاسم 5/ 48:
(وإن أَقرضه أَثمانًا، فطالبه بها ببلد آخر لزمته) الأَثمان أي مثلها، لأنه أمكنه قضاء الحق من غير ضرر، فلزمه، ولأن القيمة لا تختلف، فانتفى الضرر (و) يجب (فيما لحمله مؤونة قيمته) ببلد القرض، لأنه المكان الذي يجب التسليم فيه، ولا يلزمه المثل في البلد الآخر، لأنه لا يلزمه حمله إليه (إن لم تكن) قيمته (ببلد القرض أنقص) صوابه: أكثر، فإن كانت القيمة ببلد القرض أكثر، لزم مثل المثلي، لعدم الضرر إذًا. اهـ.
فأنت ترى أن العلامة البهوتي يستدرك على العلامة الحجاوي رحمهما الله، ويصوب عبارته.
وبادئ الرأي فإن لقائل أن يقول: إن الأصل في مثل هذه الحال أن يكون الصواب مع الشارح، ذلك أنه ليس من عادة العلامة البهوتي في شرحه توهيم الحجاوي، بل إن الحجاوي إذا خالف المعتمد عند المتأخرين فإن البهوتي يقرر كلامه ثم يذكر المعتمد ولا يوهمه، فتوهيمه هنا ينبغي أن يكون عن تأن تام وروية من الشارح رحمه الله.
ونحن هنا بين أمرين:
إما أن يقال: إن ذا سبقُ قلم من الماتن، وهو أمر سائغ ويحصل بكثرة في المتون.
وإما أن يقال: إنه سوء فهم من الشارح. وهو بعيدٌ، وذلك لأمرين:
الأول: أن البهوتي من أدق الناس وأفهمهم للمذهب، وشروحه وتقريراته عمدة من أتى بعده، بل لا تعويل على ما يخالف كلامه من تقريرات من أتى بعده في الجملة.
والثاني: أنه هنا يشرح متنًا، ولا يبتدئ عبارة؛ فتوهيمه أبعد من توهيم من ينشئ عبارة.
إلا أن هذا الكلام ليس بذاك الذي يبنى عليه ترجيح في مسألة كهذه، لذلك كان لابد من الرجوع إلى كلام الأصحاب في ذلك لمعرفة وجه الصواب في هذه المسألة.
وقد بدأت بما كُتب على الزاد أو الروض من شروحٍ أو حواشٍ، لتعلقها أصالة بمحل البحث؛ فأقول -وبالله تعالى التوفيق-:
هذه بعض عبارات الأصحاب التي تدل على صواب ما ذهب إليه الشيخ العلامة منصور البهوتي رحمه الله:
1 - قال العلامة المحقق ابن فيروز في حاشيته على الروض ص452 على قول البهوتي "صوابه أكثر":
"وذلك لأنه لو كان كما ذكر؛ لما كان هناك فائدة، لأنه يصير المعنى:
أنه إذا كانت القيمة في بلد القرض أنقص لم تجب فيها. والأمر بالعكس".اهـ.
وحسبك بابن فيروز تحقيقًا وتدقيقًا.
وقد نقله عنه العنقري في حاشيته ولم يعقب، فهو كالمقر بصحته.
2 - وقال في السلسبيل 2/ 98 على قول الحجاوي "إن لم يكن ببلد القرض أنقص" قال:
"فعلى هذا التعبير إذا كانت القيمة في بلد القرض أنقص لا يجب تسليمها. والمذهب وجوب ذلك".
3 - وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع-وهو من أفهم أهل عصرنا للمذهب- 9/ 115 قال على قول الحجاوي:
"وَإنْ أقْرَضَهُ أَثْمَاناً فَطَالَبَهُ بِهَا بِبَلَدٍ آخَرَ لَزِمَتْهُ، وَفِيمَا لِحَمْلِهِ مُؤونَةٌ قِيمَتُهُ إِنْ لَمْ تَكُنْ بِبَلَدِ القَرْضِ أَنْقَصَ":
قوله: «وإن أقرضه» أي: أقرض شخصًا.
قوله: «أثمانًا» وهي: الدراهم والدنانير.
قوله: «فطالبه بها ببلد آخر لزمته» أي: لزمت المقترض.
مثاله: أقرضه دنانير في مكة وطالبه بها في المدينة، فيلزمه الوفاء إذا كان معه الدنانير؛ لأنه لا ضرر عليه، القيمة واحدة في مكة أو في المدينة؛ لأن النقد كله نقد واحد، ولا يختلف بين بلد وآخر، فله الحق أن يلزمه، بخلاف ما سبق في باب السلم فيكون الوفاء في موضع العقد، والفرق بينهما أن السلم من باب المعاوضات، وهذا من باب الإحسان ولا ضرر عليه أن يعطيه الدنانير في البلد الآخر.
أما إذا كان في بلد يختلف عن البلد الذي أقرضه فيه، فهنا قد يلحقه ضرر، فقد تكون قيمته أغلى، وحينئذٍ نقول: لا يلزمه الموافقة.
إن وافق فذلك المطلوب، وإن لم يوافق فلا يلزمه.
¥