القصد باختصار شديد أيها الفاضل أن المبصر - سواء كان المؤذن نفسه أو من نظر له ثم جاء ليخبره – معرض لذلك العارض البشري الذي ذكرته ولا فرق، والحكم في الجميع واحد (بغض النظر عن مسألة هل القضاء والإعادة تلزم أم لا تلزم عند تبين وقوع الخطأ)
فأنت فرقت بين كون المؤذن نفسه مبصرا ينظر بنفسه وبين كونه أعمى يأخذ بخبر غيره في دخول الوقت، تفريقا لا نعلم قائلا به قبلك في الحكمة من جعل مؤذن الفجر أعمى! ومن الظاهر جدا أننا لو سلمنا لك بهذا التفريق للزمنا القول باستحباب جعل مؤذن الفجر رجلا أعمى يدله الناس على دخول الوقت، حتى نسلم من احتمال وقوع الآذان قبل تبين دخول الوقت كما تقول!! فأنت استخرجت علة في المسألة لا قائل بها قبلك فيما أعلم، بل في كلام أهل العلم ما يخالفه كما سيأتي إن شاء الله ..
فالاعتراض بالأساس إنما هو منصبٌ على قولكم:
فإذا علم أن الفجر الصادق يطلع شيئا فشيئا فقد يدركه حاد البصر قبل الانتشار فيكون الأذان قبل وقته
وقد يدركه كليل البصر بعد مده فيكون الأذان بعد وقته
هذا وارد جدا ولا شك
فإذا تولى المبصر ذلك احتمل الخطأ في أذانه تقديما أو تأخيره حسب قوة بصره أو ضعفه لكن لما كان الأمر موكولا إلى رجل أعمى لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت انتفى هذا الاحتمال
فلن يكون هذا الاحتمال وارد بالمرة كما كان الحال مع ابن أم مكتوم رضي الله عنه
قلت نعم هو يطلع شيئا فشيئا كما تفضلتم، ولكن أرأيت لو أن مؤذنا مبصرا أذن في أول طلوعه وآخر أعمى تأخر عنه شيئا يسيرا، وكلاهما يتحريان (ببصر المبصر وببصر من استعمله الأعمى لإبلاغه بذلك) (ولعل في هذا الحديث دلالة على مطلق مشروعية أن يستعمل المؤذن رجلا يثق فيه، ينظر له ويخبره، سواء كان أعمًى أو بصيرا) – وكلا منهما أمسك قومه عن الطعام بسبب سماعهم الآذان، فهل تفرق بين هذا وذاك في الحكم؟ هل ترى أن إمساك الناس على آذان الأعمى أحرى بالصواب لأنه على حد قولك ولفظك " إن تولى المبصر ذلك احتمل الخطأ في أذانه تقديما أو تأخيره حسب قوة بصره أو ضعفه لكن لما كان الأمر موكولا إلى رجل أعمى لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت انتفى هذا الاحتمال"؟؟
هذا ظاهر كلامك ولا أظن أحدا من الإخوة يفهم منه خلاف ذلك! وهذا هو أساس اعتراضي عليه، فتأمل بارك الله فيك.
وأظهر ما يبين ذلك التوجيه في كلامك هو قولك:
فبذلك يكون الأذان واقع يقينا برؤية معتدلة
فهل رؤية المبصر – على هذا التوجيه – تكون أقل اعتدالا، أو لا تكون "يقينية" فلا يحسن الاعتماد عليها؟؟ إن لم يكن هذا لازم كلامك (بما ينبني عليه لزوما من مذهب جديد لا قائل به غيرك = ألا وهو استحباب تقديم الأعمى في آذان الفجر) فكيف نوجهه يا أخي الحبيب؟
قولك - وفقك الله:
نعم أصبت لو أن فهمك لكلمة أصبحت أصبحت صحيحا
فليس المقصود أن القائل يقول لابن أم مكتوم أصبحت أصبحت على التكرار
وإنما المعنى أن ابن أم مكتوم لا يؤذن حتى يتوار عليه أكثر من قائل هذا يقول له أصبحت وهذا يقول له أصبحت ولا يكتفي بأول قائل له أصبحت
قلت هذا الموضع من أشكل المواضع عند شراح الحديث وليس الأخذ والقول فيه بهذه السهولة ..
ليس في الحديث ما يُفهم منه على وجه التحديد هل القائل له (أصبحت أصبحت) رجل واحد أم جماعة من الرجال كل منهم يقول له (أصبحت)، والظاهر على هذا اللفظ، وعلى ما يتبادر إلى الأذهان أن القائل (أو القائلين) إنما يتعمد (أو يتعمدون) التكرار على مسامعه لأنه أعمى وليس سبيل إعلامه إلا السمع .. فيكون التكرار من باب التوكيد والاستيثاق، كما نص على ذلك بعض الشراح كما سيأتي .. وإلا فهذا التوجيه الذي تفضلتم به، ما الدليل عليه؟ فإني قد قلبت النظر فيما عندي من شروح الحديث فلم أجد قائلا به!
¥