تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

غير أن بعض علماء الشافعية كالسبكي خالف ما عليه جماعة المسلمين آنذاك وذهب إلى قبول قول علماء النجوم والحساب، وظهر مذهبه جلياً واضحاً عندما قال في رسالته (العلم المنشور في إثبات الشهور): "أجمع المسلمون فيما أظن على أنه لا حكم لما يقوله الحاسب من مفارقة الشمس إذا كان غير ممكن الرؤية لقربه منها، وإنما اختلفوا فيما إذا بعد عنها بحيث تمكن رؤيته وعلم ذلك بالحساب وكان هناك غيم يحول بيننا وبينه ... فأنا اختار في ذلك قول ابن سريج جواز الصوم بذلك لمن عرف الحساب في الجواز خاصة لا في الوجوب، وشرط اختياري للجواز حيث ينكشف من علم الحساب انكشافاً جلياً إمكانه ولا يحصل ذلك إلا لماهر في الصنعة والعلم" ().

وأما الحنابلة فقد نص ابن قدامة في المغني على أنه لا يجب الصوم إلا برؤية الهلال أو كمال شعبان ثلاثين يوماً ()، وقد نقل ابن عابدين في رسالته عن الحنابلة عند شرح باب صلاة الكسوف: (لا عبرة بقول المنجمين في كسوف ولا غيره مما يخبرون به، ولا يجوز عمل به؛ لأنه من الرجم بالغيب فلا يجوز تصديقهم في شيء من المغيبات ().

مما سبق يمكن القول بأن للفقهاء في هذه المسألة اتجاهين:

الأول: أن شهر رمضان لا يثبت دخوله إلا بالرؤية أو بإتمام شعبان ثلاثين وهذا الاتجاه هو الذي سار عليه الأغلبية من فقهاء المذاهب الأربعة.

الثاني: أنه يمكن الاستفادة من نتائج الحساب الفلكي في ثبوت دخول شهر رمضان، وهذا الاتجاه وإن كان مخالفاً لما عليه الأكثر من الفقهاء غير أنه في هذا العصر ينادي به الكثير من العلماء، وهذا الاتجاه يمثله بعض العلماء كابن سريج والسبكي وابن قتيبة ومحمد ابن مقاتل ومطرف بن عبدالله بن الشخير، وحُكي عن الشافعي.

المطلب الثاني: تحقيق القول في الاتجاه القائل بالاستفادة من نتائج الحساب الفلكي:

قرر ابن تيمية رحمه الله: أن الخلاف الحادث في الجواز ـــ أي جواز الاستفادة من الحساب الفلكي في ثبوت شهر رمضان ـــ مقيد بأمرين هما: حال الإغمام وللحاسب فقط لا يتعداه إلى غيره، فالأصل في خلاف ابن سريج أنه رأى الأخذ بالحساب جوازاً في حق الحاسب خاصة إذا غم الشهر ولم يره الراؤون وما سوى ذلك يبقى على الأصل في حكم الرؤية وقد حكى ابن سريج عن الشافعي هذا الاتجاه، ونقل حكايته بعض العلماء كابن رشد في بداية المجتهد وابن عبدالبر في التمهيد ولهذا قال ابن تيمية (وحكاه بعض المالكية عن الشافعي)، وحكاية ابن سريج عن الشافعي غلط كما قرره بعض علماء الشافعية، وأما مطرف بن عبدالله فلا يصح عنه ومحمد بن مقاتل ضعيف، وابن قتيبة ليس من أهل هذا الفن، وأما العلامة تقي الدين السبكي فقد انتصر لرأي ابن سريج للجواز لا للوجوب مقيداً ذلك بشرطين:

1 - أن ينكشف الحساب جلياً من ماهر بالصنعة والعلم.

2 - أن يكون الجواز في خصوص الصوم لا الفطر.

ـ[راشد اللحيان]ــــــــ[13 - 08 - 09, 05:34 م]ـ

المبحث الثاني

العلماء المعاصرون والحساب الفلكي

المطلب الأول: موقف العلماء المعاصرين:

للعلماء المعاصرين تجاه هذه المسألة ثلاث اتجاهات هي على النحو التالي:

الاتجاه الأول: عدم الأخذ بالحساب الفلكي، وأن شهر رمضان لا يثبت دخوله إلا بالرؤية أو بإتمام شعبان ثلاثين وإليه ذهب الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد العزيز بن باز، وبكر أبو زيد، وأبو بكر الجزائري، وحمود التويجري وغيرهم.

الاتجاه الثاني: الأخذ بالحساب مطلقاً، وجواز ثبوت شهر رمضان بالحساب الفلكي، وإليه ذهب مصطفى الزرقاء، ومحمد المختار السلامي، ويوسف القرضاوي، ومحمد بخيت المطيعي، وأحمد شاكر.

الاتجاه الثالث: التفصيل، فقد ذكر بعض العلماء تفصيلاً بخصوص هذه المسألة والذي يجدر ذكره أن الذين نهجوا منهج التفصيل قد اختلفوا عن بعضهم فيه، ومن الذين فصلوا:

أ- محمد عبد اللطيف الفرفور حيث يرى أن الأصل في إثبات الأهلة الرؤية البصرية أو التلسكوبية من على ظهر الأرض، وإذا كانت السماء صحواً ولم ير الهلال في القطر كله لم نعمد إلى الحساب لوضوح الأمر وأما إذا كانت السماء غير صحو واحتمل الأمران: ولادة الهلال وعدمها ولم تحدث رؤية معتبرة، فعندها يؤخذ بقول الفلكيين وأصحاب الأرصاد الجوية ذوي الحسابات الدقيقة ().

ب- علي الطنطاوي: حيث يرى أن الحساب الفلكي قطعي والشهادة على الرؤية غير قطعية لورود التوهم والكذب عليها، فرأى الجمع بين العمل بحديث (صوموا لرؤيته) وبين حقائق علم الفلك على النحو التالي: أن يسأل علماء الفلك: هل يمكن أن يرى الهلال هذه الليلة؟ فإن قالوا: نعم، تحرينا رؤيته، فإن رأيناه أثبتنا دخول الشهر بالرؤية، وإن قالوا بأنه لا يمكن أن يرى رددنا شهادات الشهود ()، وبهذا نعرف أن هذا الرأي اعتمد الحساب الفلكي في النفي فقط، بمعنى أنه إذا جاء من يشهد برؤية الهلال، ودلّت الحسابات الفلكية على أن رؤية الهلال مستحيلة أو غير ممكنة فإن هذه الشهادة ترد، وإلى هذا الرأي ذهب عبدالله بن منيع ومحمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر، وهذا الرأي هو امتداد لرأي السبكي حيث ذكر في فتاواه: أن الحساب إذا نفى إمكانية الرؤية البصرية فالواجب على القاضي أن يرد شهادة الشهود.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير