ـ[راشد اللحيان]ــــــــ[13 - 08 - 09, 05:36 م]ـ
المطلب الثاني: الأدلة والمناقشات:
* أدلة النافين للحساب الفلكي:
1 - الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تدل دلالة صريحة على أن الشرع علق الأحكام التعبدية الشهرية على الأهلة بطريقتي اليقين: الرؤية أو الإكمال ومن ذلك:
أ- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوماً) رواه الشيخان والنسائي (). وفي لفظ (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم فأكملوا عد\ة شعبان ثلاثين) (). وفي لفظ (فاقدروا له). وفي لفظ (فاقدروا له ثلاثين).
ب- حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له، وفي لفظ لمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فضرب بيديه فقال: (الشهر هكذا وهكذا) ثم عقد إبهامه في الثالثة (فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين) ().
جـ- حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: (لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين إلا أن يكون شيء يصومه أحدكم ولا تصوموا حتى تروه ثم صوموا حتى تروه فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين) () فهذه الأحاديث دلت على أن الشرع جعل علامة أول الشهر، الهلال لا غير وأن الشرع أناط الحكم بأول الشهر بوجود الهلال حقيقة لا بوجوده تقديراً وأن وجوده حقيقة بالرؤية البصرية بالإهلال أو الإكمال.
2 - المتمسكون بظاهر الرؤية لا يعتمدون الحساب، لأنهم يعتقدون أن الحساب الفلكي ليس وسيلة قطعية، بل لم يصل عندهم إلى مرتبة الظن، لأنه حدس وتخمين.
3 - إجماع المسلمين على موجب النصوص المتقدمة، وحكى الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم يقول شيخ الإسلام (إنا نعلم بالضرورة من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المتعلقة بالهلال بخبر الحساب ـــ أنه يرى أو لا يرى ـــ لا يجوز، والنصوص المستفيضة بذلك عن النبي كثيرة وقد أجمع المسلمون عليه) ().
ـ[راشد اللحيان]ــــــــ[13 - 08 - 09, 05:37 م]ـ
مناقشة الأدلة السابقة:
أولاً: بالنسبة للأحاديث الواردة فيمكن مناقشة الاستدلال بها: بأنها ليست النصوص الوحيدة في الموضوع، بل هناك روايات أخرى ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم توضح علة أمره باعتماد رؤية الهلال البصرية، فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، والشهر هكذا وهكذا وهكذا، وعقد الإبهام في الثالثة والشهر هكذا وهكذا يعني تمام الثلاثين) (). فقد علل الرسول أمره باعتماد رؤية الهلال رؤية بصرية لبدء الصوم والإفطار بأنهم أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، فما من سبيل لمعرفة حلول الشهر إلا رؤية الهلال، فالأمر باعتماد الرؤية ليس لأن الرؤية هي في ذاتها عبادة، أو أن فيها معنى التعبد، بل لأنها هي الوسيلة الممكنة الميسورة آنذاك لمعرفة بدء الشهر القمري لمن يكونون أميين، وإذا كان الأمر كذلك فما الذي يمنع شرعاً أن يعتمد الحساب الفلكي اليقيني في حال معرفة هذا العلم معرفة تامة.
ثانياً: يمكن مناقشة قول الفقهاء بأن الحساب حدس وتخمين ولا يجوز الأخذ به بالآتي:
أ- أن الفقهاء الأوائل واجهوا مشكلة خطيرة في عصرهم وهي الارتباط الوثيق حينذاك بين العرافة والتنجيم والكهانة والسحر من جهة وبين حساب النجوم (علم الفلك) من جهة أخرى، فيبدو أن كثيراً من حسَّاب النجوم كانوا أيضاً يشتغلون بتلك الأمور الباطلة التي نهت عنها الشريعة أشد النهي، فكان للقول باعتماد الحساب في الأهلة مفسدتان: أنه ظني من باب الحدس والتخمين، والثانية وهي الأشد انسياق الناس إلى التعويل على أولائك المنجمين والعرافين، والمفسدة الثانية هي التفسير للنكير الشديد الذي أطلقه شيخ الإسلام على من يلجأون إلى حساب النجوم في إثبات الأهلة بدلاً من الرؤية، ولذا من يلاحظ بعض نصوص الفقهاء في النهي عن اعتبار الحساب تجد أنها مربوطة بلفظ التنجيم، باعتبار أن الحساب الفلكي لا يكون إلا من المنجمين ().
ب- أن الحساب الفلكي في العصور المتأخرة أصبح بمنزلة العلم القطعي، يقرر هذا فريق علماء جامعة الملك عبد العزيز ـــ قسم علوم الفلك ـــ حينما قدموا بحثاً في الدورة الثالثة لمجمع الفقه الإسلامي، وجاء في البحث: "مما يؤسف له أن يعتقد البعض بأن علم الفلك هو علم التنجيم، أو أنه يعتمد على الظن والتخمين في حساباته، والواقع أن علم الفلك مثل العلوم الأخرى كالفيزياء والكيمياء، فهو يعتمد على أمور علمية محسوسة وعلى التجربة والمشاهدة ... وتطور العلوم والتقنية في مجال الفضاء أدى إلى التحقق في النظريات الفلكية، وأدت الأجهزة الحديثة إلى الوصول إلى مستويات عالية من الدقة في مراقبة وحسابات سير الكواكب والأجرام السماوية" وذكروا في موضع آخر: "الاعتماد على الحساب الفلكي اليوم جائز لا مانع منه شرعاً بعد أن وصل علم الفلك إلى ما وصل إليه من الدقة المدهشة واليقين المدعم بالشواهد والبراهين، وبذلك فنحن نعتقد بأن الحسابات الفلكية تحقق ما تحققه الرؤية بصورة أيسر وأبعد عن الخطأ مع بقاء الرؤية هي الأصل، بمعنى أنه إذا فقد هنا العلم بقيت الرؤية مستنداً في الحكم" ().
ثالثاً: يمكن مناقشة الاستدلال بالإجماع: بأنه من المعلوم في أصول الفقه أن أهل الإجماع إذا أجمعوا على شيء ولم يفصلوا، فلا يدل عدم تفصيلهم على بطلان التفصيل، لأن عدم التفصيل لا يدل على بطلان التفصيل، فعلم من ذلك أن التفصيل في المسألة جائز، ولا إشكال فيه، وبالتالي يمكن الأخذ بقول فيه تفصيل لا يناقض ما كان عليه الفقهاء المتقدمون ().
¥