تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإذا نطق أحدهما بما يخالف ما جمعه اللغويون وما استنبطه النحاة من هذه اللغة المجمعة كان كلامه مرفوضاً عند الجامعين، محكوماً عليه عند النحاة بالحكم المسلط على نظائره؛ وهو: الشذوذ، أو الندرة، أو الضعف، أو خطأ ذلك الأعرابي (وهو لا يخطئ على الصحيح كما سنعرف بعد).

وبديه أن الأخذ بهذا الحكم معناه القضاء على نوع من الكلام السليم الصحيح بغير مسوغ مقبول، فوق ما فيه من فوضي لغوية تبعث الآراء المتناقضة، وتثير أنواعا قبيحة من الخلاف المذهبي بين المجتهدين والباحثين: كالذي نشهده اليوم في النواحي اللغوية ولا سيما النحوية منها. ولست أتردد في أن الحكم هنا خاطئ ـ كسابقة ـ وظواهر الخطأ فيهما واحدة بينها الثقات الأعلام الذين أشرنا إليهم آنفا، وسأسوق بعض الأمثلة التي تؤيد ما أقول، وما أكثر الأمثلة التي

/ صفحه 55/

توضح هذا النوع من الفساد والاضطراب، وما جلب على طلاب النحو والمشتغلين به من متاعب علمية وعملية. قال صاحب التصريح في شروط إعمال " ما "، عمل ليس ... ما نصه:

" (ومن شروطها: ألا يتقدم الخبر على الاسم، وأما قول القرزدق:

فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم إذ هم قريش واذ ما مثلهم بشر

فقال سيبويه: شاذ؛ ولا يكاد يعرف. وقيل: غلط، وأن الفرزدق تميمي لم يعرف شرطها عند الحجازيين؛ فغلط فيها. وفيه نظر، فإن العربي لا يطاوعه لسانه أن ينطق بغير لغته كما قال سيبويه) " اهـ.

ثم قال المقرر (يس) على الهامش ما نصه:

" الذي قاله سيبويه إنما هو أن العربي لا ينطق بالخطأ، ويجوز أن ينطق بغير لغته كما بيناه في حاشية الألفية، في باب ما لا ينصرف " اهـ.

دهشت من هذا الرأي ـ الأول ـ المنسوب لسيبويه، المردد على ألسنة علماء أجلاء، لا طلاب أغرار قد يذهبون في فهمه مذاهب، ويتخذون منه أحكاماً خطيرة. فبادرت إلى باب ما لا ينصرف في كتاب " التصريح " فرأيت من التناقش والتضارب والجلاد بسليط القول ما يدور معه الرأس، رأيت ما نصه عند الكلام على " فَعَاَلِ " علماً للمؤنث:

" إن أكثر بني تميم يبني ما آخره راء على الكسر، والأقل يعربها، وإن اللغتين اجتمعتا في قول الأعشي ميمون:

ومرَّ دهر على وبَارِ فهلكت جهرةً وَبَارُ "

قال المقرر يس على الهامش (ج 2 ص 225) ما نصه:

(قوله وقد اجتمعت اللغتان) قال الدنوشري: إن هذا الشاعر لا يخلو من أن يكون من غير بني تميم، أو منهم. وعلى تقدير كونه منهم لا يخلو من أن يكون من الكثير منهم، أو من القليل الذين يعربون ما آخره راء (ولا يبنونه كالأكثر) فإن كان الأول أشكل الحال، وعلى الأول من الثاني يشكل بأن الكثير لا يعربون. وعلى الثاني منه يشكل بأن القليل لا يبنون " اهـ.

/ صفحه 56/

ثم قال بعد ذلك مباشرة: " كتب شيخنا العلامة الغنيمي بعده:

أقول على كل تقدير لا إشكال؛ إذ العربي يجوز له أن يتكلم بغير لغته، وهذا بعد تسليم أنه عربي، وأنه يحتج بكلامه. والله أعلم بالصواب " اهـ. ثم كتب الدنوشري معقباً: (قوله: أقول على كل تقدير لا إشكال) كلام ساقط (كذا!!). لا يصدر عن جاهل، فضلا عن فاضل (كذا!!). أما أولا فلأن العربي لا يتكلم بغير لغته، ولو قُطّع إربْا إربْا، كما في مسألة الكسائي وسيبويه. وأما ثانياً فلأن الأعشي ميمونا لا ينكر أحد الاحتجاج بكلامه، وأنه عربي خالص، اهـ. ثم قال: والحق أن العربي يتكلم بغير لغته ولا يتلكم بالخطأ، وسيبويه ظن أن ما قاله الكسائي في مسألة الزنبار خطأ كما حققنا ذلك في حواشي الألفية. وقد رأيت بخط مولانا تاج الدين السبكي رحمه الله كلاما يتعلق بهذه المسألة، ومن جملته: والذي يظهر أن العربي لا يلحن، ولكنه يمكنه أن ينطق بغير لغته؛ فيتعين تأويلها، وذكر مسألة: ليس الطيب إلا المسك، وأن الأحمر واليزيدي لقَّنا بعض الحجازيين الرفع في كلمة: " المسك " وجهدا في تلقينه فلم يفعل، وبعض التميميين النصب وجهدا فلم يفعل. وقال: ليس فيهما أنهما لم يمكنهما النطق بغير لغتهما، بل إنهما لم يفعلا. وفرق بين عدم التمكن وعدم الفعل؛ بأن عدم الفعل قد يجامع القدرة. وأما دعوى أن الأعشي ميمونا لا ينكر أحد الاحتجاج بكلامه فدعوى خالية عن الدليل، إذ وقع لكثير من الائمة الإنكار عن بعض العرب كرؤبة، والعجاج، وأبي بجيلة، ويحتمل ان يكون الأعشي من هذه الطبقة، اهـ.

وجاء في الأشموني وحاشية الصبان عند الكلام على البيت السابق:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير