فقال ليس بفصيح يلتفت إليه. وقال في التهذيب ليس بحجة إنما هو مولد والحجة الجيدة قول الأعشى المتقدم ذكره، معناه تباعد الذي بينهما.
قال ابن برى في حواشي الصحاح: وقول الأصمعي لا أقول شتان ما بينهما، ليس بشيء؛ لأن ذلك قد جاء في أشعار الفصحاء من العرب من ذلك قول أبي الأسود الدؤلي:
فإن أعف يوما عن ذنوب وتعتدي فإن العصا كانت لغيرك تقرع
وشتان ما بيني وبينك إنني على كل حال أستقيم وتظلع
قال ومثله قول البعيث:
وشتان ما بيني وبين ابن خالد أمية في الرزق الذي يتقسم
وقال أبو بكر شتان ما عمرو وشتان أخوه وأبوه ... أي بعد ما بينهما ... وقد تكسر النون عن الفراء كما نقله الصاغاني ... وقال أبو زيد شتان منصوب على كل حال لأنه ليس له واحد ثم إن كسر نون شتان نقله ثعلب عن شيخنا ... وزعم ابن الأنباري ... وجزم ابن درستويه .... ) فما هذا الخلاف بل هذا البلاء القاتل؟
وحسبنا هذا المثال من نظائر كثيرة وفيه الغناء عنها وعن كل تعليق.
/ صفحه 274/
... صريح الرأي في النحو العربي
داؤهُ وَدَواؤه
للأستاذ عباس حسن
أستاذ العربية في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة
ـ 6 ـ
ومشكلة القياسي والسماعي، ما صنع النحاة بها، ما اتخذوه لإنقاذها من الغموض والإبهام؟.
قالوا: إن كلام العرب نوعان؛ نوع مؤتلف متشابه بينهم في معظم قبائلهم، يجري على ألسنتهم موحداً في مفرداته، وتراكيبه، واستعمالاته، وهو الكثير؛ كضم أول المضارع الرباعي، ورفع الفاعل، وجر المضاف إليه، وصوغ فعال للمبالغة، وبناء مفعل للزمان أو المكان، وصوغ المصدر، وباقي المشتقات وغيرها. وكحاجة الفعل إلى فاعل، والمبتدأ إلى خبر، والناسخ إلى معمولين، والظرف إلى متعلق ... وكاصطناع أسلوب خاص في التعجب، وآخر في المدح، أو الذم، أو التفضيل، أو الاستثناء، أو الاستغاثة، أو ... أو ...
ونوع آخر قليل يخالف ما سبق، ولا يأتلف معه؛ بل يخرج عليه في ناحية أو أكثر من النواحي السابقة؛ كأن يخالفه في صوغ مفرده، أو ضبط آخره، أو في تكوين تركيبه، أو في طريقة استعماله ... فإذا كان النوع الأول يضم فاتحة المضارع، ويبنى مفعلا للزمان والمكان، ويصطنع نحو: " أنت أعدل الناس " للتفضيل، فإن النوع الثاني قد يخالفه فيكسر أول المضارع ويجعل " مفعلا " للآلة، ويخرج " أفعل " التفضيل عن ميدان التفضيل ... و ... و ...
والأول عندهم هو الذي تجوز محاكاته، واتباع طرائقه باتفاق النحاة، والثاني لا تجوز في رأي الكثرة منهم. ويسمون الأول لذلك: مقيساً عليه، أو: " قياسياً " أحياناً، أو مطردا، أو شائعا، أو كثيرا ... أو نحو ذلك مما يدل على الكثرة،
/ صفحه 275/
وإباحة انتهاجه. ويسمون الثاني: مسموعاً، أو قليلا، أو نادراً، أو شاذاً، أو سماعياً، أو غير قياسي، أو ما شئت من أسماء تدل على قلتهن وتحريم محاكاته، وعلى حفظ ما ورد منه؛ كما يحفظ الأثر القديم بحاله.
ثم هم يطلقون على كلامنا المستحدث الذي نحاكي به كلام العرب الأوائل: " مقيساً " أو قياسياً " كذلك؛ ومن ثم يتردد على ألسنة النحاة وفي كتبهم كلمتا: " القياسي والسماعي " يريدون بالأول هنا ما جرى على كثير ما نطقت به العرب، وساير الشائع من لغتهم، ولو لم يكن الناطق به عربياً أصيلا. ويجعلون حكمه حكم الكلام العربي الأصيل في كل ما يختص به. ويريدون بالثاني: ما ورد من كلام بعض العرب الخلص مخالفاً للكثرة في بعض النواحي، ويحكمون عليه بأنه " يحفظ ولا يقاس عليه " كما أشرنا.
فكلا النوعين: " المقيس عليه، والمسموع " كلام عربي أصيلن غير أن الأوال فاز بالشيوع والكثرة، والاشتراك بين ألسنة عربية كثيرة أصيلة، وحرم الثاني تلك الخصيصة؛ فلم يجر إلا على ألسنة أصيلة قليلة، ولم يسمح بمحاكاتها.
فالكثرة هي سبب الخلف الواسع، ومنها نشأ التباين بآثاره البعيدة بين النوعين، فما المراد بتلك الكثرة؟ وما حدودها؟ إنها الكثرة العددية لا ريب، لكن أهي الكثرة العددية بين أفراد القبيلة الواحدة دون نظر لغيرها " بأن تشيع اللغة في القبيلة فلا يخالف فيها إلا فرد غير مجرح (1)، أو أفراد كذلك قليلة " ـ أم هي الكثرة بين القبائل " بوصفها قبائل " بأن تشيع خصائص لغوية في مجموعة قبائلها أكثر من قبائل مجموعة أخرى، من غير نظر لأفراد كل قبيلة وعددها؟ أتجري الموازنة من حيث القلة والكثرة بين القبائل الست المشهورة وحدها، أم
¥