3 ـ جاء في الأشموني ـ وغيره ـ عند شرح بيت ابن مالك في الممنوع من الصرف:
وزائدا فعلان في وصف مسلم من أن يرى بتاء تأنيث ختم
أن صيغة فعلان وصفا تمنع من الصرف: " (إما لأن مؤنث الوصف: فَعْلى، كسكران وغضبان وندمان من الندم وهذا متفق على منع صرفه وإما لأنه لا مؤنث له نحو لحيان لكبير اللحية. وهذا فيه خلاف. والصحيح منع صرفه أيضاً لأنه وإن لم يكن له فَعْلَى وجودا فله " فَعْلَى " تقديرا!! لأنا لو فرضنا له مؤنثا لكان " فَعْلَى " أولى به من " فعْلانة " لأن باب " فَعْلان " " فَعْلى " أوسع من باب " فَعْلان فَعْلانة " والتقدير في حكم الوجود بدليل الإجماع على منع صرف أكمر، وآدر، مع أنه لا مؤنث له. ولو فرض له مؤنث لأمكن أن يكون كمؤنث أرمل وأن يكون كمؤنث أحمر؛ لكن حمله على أحمر أولى لكثرة نظائره. واحترز من " فعلان " الذي مؤنثه " فعلانة " فإنه مصروف نحو " ندمان " من المنادمة وندمانة، وسيفان وسيفانة) ".
لندع ما يسميه الوجود الحقيقي والتقديري. والمفروض والواقع ... فهذا ـ وأشباهه ـ هو مما يقع في نطاق المشكلة السالفة مشكلة الأوهام والخرافات وقد منحناها حقها من البحث والتمحيص. ولننظر إلى قوله إن " فَعْلان " الوصف يمنع من الصرف بشرط ألا يكون مؤنثه بالهاء فمن الممنوع عنده: سكران لأن
/ صفحه 193/
مؤنثها سكرى ... لكن لو رجعنا إلى كتاب في اللغة " كالقاموس المحيط " وهو من أكثر الكتب اللغوية شيوعا لوجدناه يقول: سَكِر فهو سَكِرٌ وسَكْران ـ ضد صحا ـ وهي (أي: المؤنثة) سَكِرةٌ وسكرى وسكرانة. ومثل هذا في تاج العروس وفي المصباح منسوباً لبعض القبائل. فما يصنع المتكلم أيصرف كلمة " سكران " ام لا يصرفها؟ إن الأمر يتطلب تحرير القاعدة وتهذيبها لتساير كتب اللغة أو تهذيب الكتب اللغوية وتمحيصها لتجاري النحو أو الإرشاد إلى ما يجب اتباعه في مثل هذه الحال. وليس من شك أن التحرير والتهذيب إنما هما من خصائص النحو بل من أهم خصائصه دون اللغة إذ هي السابقة عليه ومنها استمد وجوده وأخذ مواد بنائه فعليه أن يتخير وينتقي ما يناسبه ويدع أو يصلح ما لا يناسب.
4 ـ جاء في الأشموني ـ وغيره ـ في جموع التكسير أن صيغة " فواعل " شاذة في جمع " فاعل " الذي هو صفة لمذكر عاقل كفارس وفوارس وناكس ونواكس وهالك وهوالك، وشاهد وشواهد، وغائب وغوائب وكلها صفات للمذكر العاقل.
ثم قال:
(وتأول بعضهم ما ورد من ذلك على أنه صفة لـ " طوائف " فيكون على القياس، فيقدر على قولهم: هالك في الهوالك، في الطوائف الهوالك، فيكون جمع فاعلة لا جمع فاعل ـ قيل: وهو ممكن إن لم يقولوا رجال هوالك) اهـ.
فالصيغة الممنوعة عندهم جائزة، ولكن بشرط التأويل أو التقدير أو النية الصالحة التي تبيح ما ليس بمباح. فلندع التأويل وما معه فقد أشبعناه في مكانه من البحث لنقول للنحاة شيئاً آخر جديداً، هو أن أحد العلماء المعاصرين (1) تتبع هذا الوصف الشاذ في زعمهم، فإذا المراجع اللغوية تمده بعشرات منه جمَعها وسَجل مظانها، فسجل بذلك أن القاعدة النحوية وما يتصل بها من منع وتأويل وإباحة لا تساير اللغة كما دونها اللغويون.
ــــــــــ
(1) الأستاذ على السباعي الأستاذ بدار العلوم.
/ صفحه 194/
5 ـ طَمأن. يعده الصرفيون النحاة مجردا " لعدم وجود فَعْأل في زعمهم وأوزانهم " مع وجود " طَمَنَ " في معاجم اللغة، ومثل هذا كثير في صيغ جموع التكسير وصيغ المصادر والصفات المشبهة وأحكام النسب والمجرد والمزيد و ... و ...
من الأمثلة السابقة ونظائرها يتبين أن النحو يجافي اللغة في نواح كثيرة، ولا يسير معها في طريق واحد على غير ما يرجى منه ويؤمل فيه. وسواء أكان السبب خفاءَ كثير من الثروة اللغوية على النحاة الأوائل، أم كان السبب تعويلهم على لهجات عربية دون أخرى .. أم غير ذلك مما لا يعنينا اليوم معشر المستعربين الذين لا يريدون إلا الكلام الصحيح والكتابة السليمة، ولا يهمهم في قليل أو كثير تلك الآراء وما وراءها ـ ما من شك في وجوب التوفيق بين الاثنين، والاستقرار على رأي موحد بينهما قدر الاستطاعة، والمسارعة لذلك غير مُغْفلين حال المتعلمين والأدباء اليوم، حيث يرجع أكثرهم إلى اللغة ومظانها، ليستعين بها فيما هو بصدده من طلب معونة أو إزالة شبهة، كالبحث عن ضبط كلمة ووزنها، أو مفردها وجمعها، أو معناها
¥