تبرز هذه الأطروحة جانباً مهماً في مؤلفات ابن تيمية (ت728هـ) - رحمه الله - وهو القضايا اللغوية والنحوية وأثرها في استنباط الأحكام الشرعية، وقد جاءت مادة الرسالة مقسمة على ستة فصول، تسبقها مقدمة وتمهيد يتضمن عرضاً موجزاً لحياة شيخ الإسلام ابن تيمية، وبيان الترابط الوثيق بين علم العربية والعلوم الشرعية عامة وتلحق الفصول الستة خاتمة بأهم النتائج، وثبت بالمصادر والمراجع.
أما موضوعات الفصول الستة فقد جاءت على النحو التالي:
الفصل الأول: فيه عرض لقضايا لغوية عامة، تتعلق بنشأة اللغة أولاً، وبمكوناتها من اللفظ والمعنى وأهميتها ثانياً، وبالضوابط الضرورية لفهم النصوص اللغوية عامة والشرعية خاصة وتجنب الخلاف ثالثاً.
أما الفصل الثاني: فعنوانه الصوت والبنية وأثرهما في المعنى.
وأما الفصل الثالث: فعنوانه: المفردة دلالتها وأقسامها،وجاءت مادته موزعة على خمسة مباحث هي على التوالي: دلالة المفردة وأقسامها، والمتباين والخاص والعام، والمتواطئ والمشترك، والحقيقة والمجاز، والترادف.
وأما الفصل الرابع: وهو خاتمة المباحث اللغوية، ويبحث في طرق دلالة اللفظ على معناه، وكيفية تأويل هذه الدلالة.
وأما الفصل الخامس: فقد تضمن السمات العامة للمنهج النحوي عند ابن تيمية.
وأما الفصل السادس وهو الأخير: فقد خصص لبحث المسائل النحوية التي جاءت موزعة على أربعة مباحث، أولها في: الكلام وأقسامه، ثم مباحث الأسماء، ثم مباحث الأفعال، وأخيراً مباحث الحروف.
- قراءة علمية:
الفصل الأول: اللغة: نشأتها ومكوناتها وضوابط فهمها عند ابن تيمية.
1 - نشأة اللغة: يرى شيخ الإسلام أن الخلاف في مبدأ اللغات محصور بين القول باصطلاح وبالتوفيق، فالقول بالإصطلاح كمايصوره أن قوما اجتمعوا واصطلحوا أن يسمو هذا بكذا، وهذا بكذا، فيجعل هذا عاماً في جميع اللغات.
وقد رد ابن تيمية هذا القول وفصل في الرد عليه، ولا يعني هذا عنده أن كل الأسماء غير أصطلاحية مطلقاً، فقد يضع الناس الإسم لما يحدث مما لم يكن من قبله فيسميه، أما الذين قالوا بالتوقيف أي التي الهمها الله تعالى وعلمها آدم، ورأي شيخ الإسلام وهو التوسط أي أن بعضها توفيقي وبعضها إصطلاحي.
2 - مكونات اللغة:
يرى شيخ الإسلام في أهمية اللفظ والمعنى: أن حقيقة الإنسان المعنوية هو المنطق وأن الأصوات الصادرة من الإنسان على ثلاث درجات: الأولى: أن يدل على معنى بالوضع إما بنفسه، أو مع غيره، والثاني أن يدل على المعنى الطبع كالتأوه والأنين، والثالث ألا يدل على معنى لا بالطبع ولا بالوضع كالنحنحه، والمعاني التي في النفس لا تنضبط إلا بالألفاظ، والتي قد جعلت لإبانة ما في القلب، ولأهمية المعنى يقول (إن اللفظ يراد للمعنى).
خصائص اللفظ والمعنى وعلاقتهما:
أولاً: اللفظ طبيعته نطقية سمعية، ومعناه إدراكه فطري: فاللفظ مادي بإعتبار أنه نطقي لا يصدر إلا عند جهاز النطق، وسمعي لا يسمع إلا بجهاز السمع، أما طبيعته فنفسية تتمثل في تصور المعاني فإنها لا تدرك إلا بالفطرة وهي أمر نفسي.
ثانياً / اللفظ تبع للمعنى: ويرى ابن تيمية أن المعنى له الأسبقية للفظ.
ومن خصائص اللفظ والمعنى: أن إشتراك اللفظ يوحي باشتراك المعاني، حيث أن اللفظ مشترك فيه أكثر من معنى مثل (حيوان)، فيرى شيخ الإسلام في ذلك أن المعاني الحقيقية الموجودة في الخارج مختلفة غير مشتركة وإن كانت متشابهة في اللفظ، والاشتراك يكون في المعاني الذهنية، وأن عموم الألفاظ والإشتراك فيها هو الذي سوغ عموم المعاني الذهنية والإشتراك فيها.
3 - ضوابط لفهم اللغة وتجنب الاختلاف.
حاول شيخ الإسلام أن يضبط معاني الألفاظ بضوابط من أجل الوصول إلى الحق فيما اختلف فيه العلماء، ومن هذه الضوابط:
1 - معرفة مدلولات الأسماء واجبة: فكل لفظ له دلالته المستقلة عن بقية الألفاظ، والألفاظ يضبط معناها بثلاثة أمور، لغة القوم عامة، وما تعارف عليه أهل ذلك العصر الذي ورد النص عنهم، وما اصطلح عليه كاتب النص، وعدم معرفة مدلولات الأسماء بدقة من أسباب اختلاف العلماء، وكتب الخلاف مليئة.
¥