تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد عَدَلْتُ في عنوان الكتاب عن استخدام أي من المصطلحات السابقة، لما قد تحدثه لدى القارئ المعاصر من لبس أو خلط، لأن مصطلح (الكتاب) صار يطلق على ماكُتب في صحف يضمها غلاف، وشاع مصطلح (الهجاء) في الدلالة على أحد أغراض الشعر، وصارمصطلح (الرسم) يطلق على التصوير باليد،وغلب مصطلح (الخط) على فن تجويد حروف الكتابة،وعدلت عن مصطلح (علم الإملاء) لان مما نريد الحديث عنه هنا أوسع ما يدل عليه هذا المصطلح.

وكان عدد من علماء العربية قد ألحق مبحثا في بيان قواعد الإملاء في كتب النحو أو الصرف، ولكن ذلك لايعني أنه جزء منهما، فقد نقل السيوطي عن أبي حيان أنه قال: (وعلم الخط، ويقال له الهجاء، ليس من علم النحو، وإنما ذكره النحويون في كتبهم لضرورة مايحتاج اليه المبتدئ في لَفْظِه وفي كَتْبه. ولأن كثيرا من الكتابة مبني على أصول نحوية، ففي بيانها بيان لتلك الاصول) () وقال نصر الهوريني معلقا على قول أبي حيان (ليس من علم النحو): (يعني بل هو علم مستقل) ().

وغني عن البيان ماللكتابة من دور كبير في حياة الانسان وفي بناء الحضارة الانسانية، لكن قد تخفى أهمية (علم الكتابة) على كثير ممن يتصورون أن تعلم حروف الهجاء في مراحل التعليم الاولى كاف في ضبط الكتابة وإجادة استخدامها، وهذا تصور فيه تبسيط للأمور وتغاض عن حقائق مهمة، تجعل من أمر معرفة تأريخ الكتابة وإتقان قواعدها أمراً ضروريا للمعلمين والمدرسين لاسيما المتخصصين منهم بتعليم اللغة العربية، كما أن ذلك يكون مفيدا لغيرهم، ومن تلك الحقائق:

(1) لاتتطابق صور الكلمات المكتوبة مع صورها المنطوقة، لأنه لايوجد نظام كتابي واحد يمثل اللغة المنطوقة كما هي ()، وتتفاوت النظم الكتابية في ذلك، فالرسم الانكليزي والرسم الفرنسي يذكران حين يراد التمثيل للإختلاف الكبير بين الرموز المكتوبة والأصوات المنطوقة (). أما نظام الكتابة العربية فإنه يعد نظاما مثاليا من حيث وضع رمز واحد مستقل لكل وحدة صوتية، فهنالك في اللغة العربية ثمانية وعشرون صوتا جامدا (صامتا)، وهناك بأزائها ثمانية وعشرون رمزاً، خُصص كل رمز منها لصوت معين لايتعداه، وقد اتُّبع هذا المبدأ نفسه بالنسبة للحركات كذلك ().

وعلى الرغم من أن الكتابة العربية أحسن حالا من غيرها في هذا المجال فإن هناك جملة من المبادئ تجب مراعاتها، كما أن هناك ظروفا تأريخية تنبغي ملاحظتها حتى نحصل على كتابة عربية صحيحة، ونصل الى فهم صحيح لظواهرها (لأن رسوم الكتابة لها دلالة خاصة على الألفاظ المقولة، ومالم تعرف تلك الدلالة تعذرت معرفة العبارة، وإن عرفت بملكة قاصرة كانت معرفتها أيضا قاصرة) (). فنحن في الواقع نكتب كما يكتب الآخرون لاكما نريد أو نتصور.

ولما كانت الكتابة من أهم وسائل الإتصال الإنساني، فعن طريقها يتم التعرف على أفكار الآخرين، والتعبير عما لدى الفرد من معان ومفاهيم ومشاعر، وتسجيل الحوادث والوقائع، فإنه كثيرا مايكون الخطأ الكتابي في الرسم سببا في تغير المعنى وعدم وضوح الفكرة، لذلك تعتبر الكتابة الصحيحة عملية مهمة في التعليم، إذ أنها عنصر أساسي في عناصر الثقافة، وضرورة اجتماعية لنقل الأفكار والتعبير عنها، والوقوف على أفكار وآراء الآخرين والإلمام بها ().

(2) إن علم الكتابة يمكن أن يقدّم تفسيرات لغوية أو تأريخية لكل اختلاف بين المنطوق والمرسوم، ويمكن أن يقّدم توضيحا لأصل العلامات الكتابية ودلالتها، وكل ذلك يجعل مستخدم الكتابة يتعامل مع نظام واضح الأبعاد، محدد الدلالات، مما يرسخ قواعد ذلك النظام ويجعله مفهوما لدى مستخدميه. على العكس مما لو كان مستخدموه يجهلون ذلك كله، فإنهم يكونون حينئذ أمام مايشبه الألغاز التي تثير حيرتهم ودهشتهم، وتجعلهم يتشككون في أمر ما يكتبون، فيكونون أقرب إلى الخطأ، كما أنهم يكونون حينئذ أمام ما يشبه الألغاز التي تثير حيرتهم ودهشتهم، وتجعلهم يتشككون في أمر ما يكتبون، فيكونون أقرب إلى الخطأ، كما أنهم يكونون أكثر استعداداً للتجاوب مع دعوات تغيير النظام الكتابي، التي هي نوع من التخريب الثقافي والتدمير الحضاري.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير