* العلاقة وثيقة متأكدة؛ فلن يشار إلى مقالك أنه متسلسل الأفكار، وواضح في مقصده، وفحواه وبنيته محكمة متماسكة؛ إلا إذا ارتبطت فقرات المقال بعنوانه، ووضعت الأفكار من خلال إعادة النظر، والتأمل فيه.
وابتكار الأفكار مما يمليه – العنوان - على الأديب؛ نختار من العناوين - السابقة - (قلب كالسحابة) .. اختار الكاتب- مثلاً- هذا العنوان، وبدأ بعد ذلك يتدبر فيه ويتفكر، ويدير خاطره فيه؛ فيقول:
* يا ترى ما وجه الشبه بين خلوة قلبي، وهدؤ نفسي في تلك الساعة، وتلك السحابة الطارفة؟! ثم إلى أين تسير تلك السحابة، وكيف نهايتها،وهل القلب سائر على خطاها: في مسيرتها ونهايتها؟! وهل ممكن أن تكون الصدفة هي التي جمعت القلب بهذه السحابة، أو أن هذه حال المخلوقات التي تشابهت ظروفها لا بد لها أن تلتقي؟!
ونهايةً:
* هل سينسى القلب بعد الفراق هذه السحابة، ويا ترى هل من الممكن أن يكون لقاء آخر في المستقبل المنتظر ... أو يكون هذا أول لقاء، وآخر لقاء ... ؟!. وبعد هذا بإمكان الأديب من خلال هذه الأفكار أن ينطلق من ذلك العنوان إلى نهايته بلا مشقة، ولا عنت.
بداية المقالة
إن من أهم ما يقال تحت هذه النقطة؛ ما يلي:
* أن تكون البداية ممهدة للفكرة، وما يريده الكاتب؛ فلا يصح دخول الكاتب مباشرة إلى صلب الفكرة؛ ومن المقدمات التي تورد تحت هذه الفقرة المهمة؛ مقدمة
* (المنفلوطي) في مقالته (مناجاة القمر) [2]:
(أيها الكوكب المطل من علياء سمائه، أأنت عروس حسناء تشرف من نافذة قصرها، وهذه النجوم المبعثرة حواليك قلائد جمان؟ أم ملك عظيم جالس فوق عرشه؟ وهذه النيرات حور وولدان؟ أم فص من ماس يتلألأ؟ وهذا الأفق المحيط بك خاتم من الأنوار؟ أم مرآة صافية؟ وهذه الهالة الدائرة بك إطار؟ أم عين ثرة ثجاجة؟ وهذه الأشعة جداول تتدفق؟ أو تنور مسجور؟ وهذه الكواكب شرر يتألق؟!) لا حظ - أخي القارئ - أن مقدمته هذه ممهدة، ولم يدخل في صلب الفكرة بعد، والمتأمل في المقالة سيعرف ذلك جيداً.
- واعلم- أخي القارئ - أن مما يزيد المقدمة أهمية:
* أن المتكلمين عن المقدمات في المقالات الأدبية، أو الخطب، أو ما أُعِدَّ للإلقاء، أو غيره؛ يقولون:
* إن المقدمة هي أصعب ما يواجه المعبر، أو الكاتب، أو الملقي عندما يريد أن يؤدي رسالته.
* المقدمة الممهدة للفكرة هي التي تصنع لمسة الجمال، والتأثير في المقال الأدبي؛ ولن تصل إلى إجادتها، أو غيرها من عناصر المقالة إلا بالدربة، وكثرة المراس. [3]
مضمون المقال
لن أقف عند الأفكار، وترتيبها، وبنية المقال، وأهمية تسلسل النقاط؛ لأنها من البدهيات والأسس التي لزاماً على الكاتب أن يكون قد عقل أهميتها، وعنده القدرة على الوصول إليها.
أقول: مما ينبغي الإشارة إليه قولاً لأحد العلماء ـ المتقدمين ـ سيختصر على الكاتب كثيراً من القول في معرفة الألفاظ التي يجب أن يستعملها عند الكتابة، يحاول التعرف عليها،والوصول إليها؛ يقول:
- هناك ألفاطاً يعرفها الناس،ويتداولونها؛ فلا ينبغي للكاتب أن يستعملها؛ لأنها
مبتذلة؛ وهناك ألفاظ لا يعرفونها .. غريبة .. وحشية؛ فلا يسوغ للكاتب
أن يستعملها؛ وهناك ألفاظ يعرفها الناس ولكنهم لا يستعملونها؛ لأن فيها رفعة، وفصاحة فلا يستعملونها لأن لغة التفاهم التي يريدونها بينهم في مُجريات حياتهم أبسط منها؛ فهذه هي التي تستعملها - أيها الكاتب - ويكون لها ثقل، وإكبار في أذن السامع. أ. هـ.
فلا تنقع أدبك في أوحال العامية،ولا ترتفع، وتبالغ حتى تصل الغريب الوحشي، وتخرج عن حيِّز الفصاحة، والبلاغة.
وستصل إلى هذه الألفاظ التي أرادها صاحب المقولة السابقة؛ من كثرة المطالعة في كتب الأدب المشهود لها بالذروة السامقة في عالم الأدب، وبتميزها في حكم النقاد، ومن الأمثلة على مثل هذه الألفاظ ما استخدمه (المنفلوطي) في (مناجاة القمر): (تشرف، جمان، الهالة، ثجاجة وهادها، ونجادها .. ) وغيرها مما ملئت به كتب الأدب؛ والتي نصحنا بقراءتها أستاذتنا والعالمون في هذا المجال: ممن هم مرجع في هذا الضمار [4]؛ كما يلي:
¥