تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتصل الدقة عند الفارسي في تتبعه للقياس في المسألة الواحدة إلى انه لا يهتم بالكثرة إن كانت الكثرة تخالف القياس، ونرى هذا في إعراب جمع المذكر السالم بالحركات. فذكر أن كثيرا من العرب يجعلون حرف الإعراب النون وذلك بقلب حرف اللين الذي قبل النون ياء مثل: (هؤلاء مسلمين) ولا تحذف النون في حال الإضافة لأنها صارت حرف الإعراب إنما يحذف التنوين، ويشير الفارسي إلى أنهم جعلوا النون هنا بمنزلة النون في كلمة (زيتون)، ويذكر أن هذا قياس خاطئ، لأن تقدير حرف اللين قبل النون واواً قياسا على زيتون، ليس بالمستقيم، لأن الواو في زيتون لم تكن دالة على إعراب قط، إنما هي بمنزلة الواو في (زنبور). فلا يستقيم أن يقرّ في نحو سنين، فيقال: سنون، لأن ذلك يؤدي إلى جمع علامتين للإعراب في اسم واحد، وهذا ما اجمع على رفضه. (25)

ومنه ايضاً أن إمالة (مالك) في قوله تعالى: (مالك يوم الدين) في القياس لا تمتنع " لأنه ليس في هذا الاسم مما يمنع المسألة شيء وليس كل ما جاز في قياس العربية تسوِّغ التلاوة به، حتى ينضمّ إلى ذلك الأثر المستفيض بقراءة السلف وأخذهم به لأن القراءة سنّة " (26)

والدقة في تتبع الفارسي للقياس ليست في هذه الأمثلة فحسب، بل انه دقيق في تحليله للمسائل القياسية، ودقيق في إصدار أحكامه، فلا يصدر الحكم إلا بعد التحليل الدقيق وبعد عرضه لأقوال النحاة قبله، فبذلك عرف عن الفارسي انه كان متشدداً في قياسه.

ثانياً: التعارض والترجيح:

ويراد بهذا أن يكون هناك مجموعة من الآراء المتعارضة حول المسألة الواحدة، وكل منها يقدم الدليل، فيأتي دور الفارسي ليرجح الرأي الذي يراه أقوى دليلا من غيره.

ويعتمد في تقوية دليل على آخر على قوة الرواية وما هو مسموع عن العرب، فهناك علاقة قائمة بين السماع والقياس " فإذا عضد ما ذكرنا من السماع الذي وصفناه من القياس، ثبت بذلك توجه هذه اللغة وتقدمها، وساغ من اجل ذلك التشبيه بها والترجيح لها على غيرها " (27)

ومن أمثلة ذلك مسألة (ما) مع الفعل، فقد اختلف فيها قبل الفارسي، فمنهم من ذهب إلى أنها حرف وتشكل مصدراً مع الفعل، ومنهم من ذهب إلى أنها اسم موصول وكان الفارسي يميل ويرجح الرأي الأول وهي أنها حرف وتشكل المصر المؤول مع الفعل الذي يليها لأنه لا يجوز أن يعود إليها شيء من الصلة وقد ساق أمثلة تؤكد ما ذهب إليه من القرآن الكريم لقوله تعالى (وممّا رزقناهم ينفقون) فالتقدير: ومن رزقهم ينفقون، فنجد أن (ما) والفعل كانت بمنزلة المصدر فتأويل (مارزقناهم) هو (رزقهم)، ولا يجوز التقدير عند الفارسي: ومن الذي رزقناهم ينفقون، لأنه لا يستطيع أن يقدر العائد على الاسم لأنه بتقدير العائد فانّه سيعدّي الفعل (رزق) لأن التقدير سيكون: ومن الذي رزقناهموه. (28)

وقد تعارضت آراء القراء في قوله تعالى: (قرْحٌ) فنمهم من فتح القاف ومنهم من ضمّها، فنجد الفارسي قد رجح الرأي الذي يقول بالفتح " وكان الفتح أولى لقراءة ابن كثير، ولأن لغة أهل الحجاز والأخذ بها أوجب، لأن القرآن عليها نزل " (29)

ولا يعني هذا أن الفارسي عليه أن يقدم رأياً على الآخر بل نجده احياناً يرجح كلا الرأيين المختلفين لتساوي الأدلة بينهما، فقد اختلف القراء في الياء والنون من قوله تعالى (يُدْخِله) فقال الفارسي:" وكلاهما حسن، فمن قرأ (يدخله) فلأن ذكر الله عز وجل قد تقدم فحمل الكلام على الغيبة، ومن قرأ (ندخله) فالمعنى فيه كالمعنى في الياء " (30)

ثالثاً: الخروج عن القياس:

ويطلق عليه الفارسي في مواطن العدول عن القياس ويريد به الفارسي أن النحاة قد يخرجون عن القياس الصحيح إلى غيره ويكون هذا الخروج لسبب ما.

وقد ذكر الفارسي أمثلة من هذا الباب كقولهم في النسب " في عبد مناف: منافيّ، وكان القياس عبديّ وكأنهم عدلوا عن القياس لإزالة اللبس " (31)

فنرى أن الفارسي يشير إلى سبب عدول النحاة عن القياس وهو إزالة اللبس.

ويكثر عند الفارسي تعليله بالخروج عن القياس؛ فقد أشار إلى أن هناك فرقاً بين (وَسَط) و (وسْط) وان الأول هو اسم وليس بظرف والثاني ظرف وقد خرج عن هذا القياس كقول الشاعر:

من وسْط جمع بني قريطٍ بعدما هتف ربيعة يا بني جواب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير