تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإذا عدم الرافعي من ينصفه في هذا المجال، فإن الذين قرؤوا كتابه حين ظهر للناس من قادة الفكر قد أحلّوه المحل الأرفع؛ فالأستاذ أحمد لطفي السيّد، رئيس تحرير (الجريدة) ومدير الجامعة فيما بعد، قد تحدّث عن الكتاب حديث المعجب المحبّذ، وعدّه فتحاً جديداً في بابه، والرافعي حينئذ كاتبٌ ناشئ لم يتردد صداه على النحو الذي عرف به فيما بعد، فهو إذن لم يندفع إلى مجاملة ما حين اعترف بالحق لصاحبه، وأحمد زكي، شيخ العروبة، أشاد بالكتاب في مجلس علمي بإدارة الجامعة المصريّة، وقال: إنّه فتح جديد. أما الأمير شكيب أرسلان فقد أفرد له مقالاً رنّاناً بجريدة المؤيد، جاء فيه: " إنّه لو جاز أن يعكف على كتاب في نواشئ الأسحار بعد كتاب الله لكان كتاب تاريخ الأدب للرافعي ".

ولقد استنكر خليل مطران دعوى من يلومون الشاعر الكبير محمد عبد المطّلب على جزالته البيانية فقال:

ربّ ممرور من الجهل نعى

صحّة القول عليه فنحبْ

خال إغراباً وما الإغراب في

ذلك اللفظ الأصيل المنتخبْ

إنما الإغراب فيه أنّه

عربي بين أهليه اغتربْ

أخذ المعدن من منجمه

هل عليه حرج يا للعجبْ

ذلك البعث هو الفتح الذي

ليس يعدوه لذي لبّ أدبْ

قصّة تأليف الرّافعي للكتاب

والكتاب بعدُ مرجع واف من أهم المراجع العربيّة المعاصرة، ولتأليفه قصّة دعت إلى كتابته، حيث لم يكن في خطّة الرافعي أن يؤلّف كتاباً في تاريخ الأدب العربي، ولكن دافعاً حثيثاً قد جذبه إلى هذا الميدان، فألّف سفره الكبير.

فحين أنشئت الجامعة المصريّة القديمة عام 1908م أخذ الرافعي الأديب الشاب يتطلّع إلى ما يدرس بها من قضايا الأدب العربي، ولكنّه في مدى سنتين لم يجد غير اتجاهين؛ اتجاه استشراقي يعني بمسائل العلوم عند العرب كتاريخ الفلك والطب والكيمياء ويقوم بتدريسه نفر من المستشرقين أوتوا الإحاطة بتاريخ هذه العلوم إذ قرؤوا من المطبوعات والمخطوطات ما أهّلهم للحديث في هذه المسائل. واتجاه آخر يقوم به أساتذة من المصريين يحوم حول الأدب ولا يقربه.

فكتب مقالاً بالجريدة يتساءل عن موقف الجامعة من الأدب العربي، وكيف أهملت تدريسه على الوجه المنشود، وأوضح أنّه لم ير في الاتجاهين اللذين أشرت إليهما ما يؤدي رسالة ما نحو الأدب العربي وتاريخه.

وأوضح أنّ لتاريخ الأدب العربي بالجامعة معنى خاصّاً في ذهن الرافعي، جعل يفتقده فيما يقرأ ويسمع فلا يجده، فكتب مقاله لينبّه القائمين على الجامعة إلى أن الأدب العربي بها في حاجة إلى منهج، وإلى كتاب يطبّق هذا المنهج، وإلى أستاذ يشرح الكتاب.

وكان لكلمة الرافعي صداها القوي لدى الجامعة؛ فقد أعلنت عن جائزة ماليّة قدرها مائة جنيه تمنح لمن يؤلّف كتاباً في تاريخ الأدب العربي، وحددت مدّة لإنجاز التأليف قدرها سبعة أشهر، وما قرأ الرافعي الإعلان حتّى أحس أنّه مطالب بالتنفيذ الفوري، ولكنّه كتب يعترض على قيمة الجائزة وعلى مدّة التأليف، وما كانت قيمة الجائزة مما يشغل الرافعي بالدرجة الأولى، وإنما كان يشغله كل الشغل هو ما يعبّر عنه في مقال تال لمقاله الأول قال فيه: " إنهم في الأغلب سيعهدون بتدريس الكتاب لغير مؤلّفه فيكون الحاضر لديهم كالغائب عنهم، ولا فضل لديهم إلاّ أنها تصدر التلقين، فإذا طبع الكتاب صارت كل مكتبة في حكم الجامعة، لأن العلم هو الكتاب لا الذي يلقيه، وإلاّ فما بالهم لا يعهدون بالتأليف لمن سيعهدون إليه بالتدريس؟ وهل يقتصرون على أن من كفاية الأستاذ القدرة على إلقاء درسه دون القدرة على استنباط الدرس، واستجماع مادته حتّى لا يزيد على أن يكون هو بين تلاميذه التلميذ الكبير؟ "

هذا الهجوم من الرافعي على الأساتذة، وفيهم ذوو القدر الجهير من أمثال حفني ناصف، ومحمد المهدي، وأحمد زكي، لم يكن يدري مغبّته حين كتب نقده المهاجم، ولعلّ ذلك ما حدا به أن يتقهقر عن تقديم الكتاب بعد طبعه إلى الجامعة، مع شيء آخر هو أنّ كتاب الأستاذ جورجي زيدان قد ظهر. وكانت الجامعة قد استجابت لكلمته فجلعت مدّة التأليف سنتين كاملتين، ورفعت الجائزة إلى مائتين، ومع ذلك فقد آثر الرافعي أن ينسحب.

جولة في فصول الكتاب

لقد خرج الكتاب إلى حيّز الوجود، ولاقى نصيبه من الترحيب والنقد معاً

التمهيد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير