وقد جاء التمهيد الأول في فصلين؛يتحدّث الفصل الأول عن الأدب وتاريخ إطلاق هذا اللفظ عليه، وعن المؤدبين والمعلمين وعن علوم الأدب وكتبه، ويتحدّث الفصل الثاني عن العرب وأقسام العربية، والشعوب الساميّة وطبقات العرب من بائدة وقحطانية وإسماعيليّة وأصل كلمة العرب
ما بعد التمهيد
أما ما بعد التمهيد، وهو الباب الأول فقد امتد به الحديث إلى فقه اللغة لا إلى ألأدب، وأقول امتد لأنّه شمل ما بين صفحة 55 إلى صفحة 269 من الطبعة الرابعة ذات الحرف الدقيق.
أما الأبواب التالية فهي في صميم تاريخ الأدب العربي، وبها نال الكتاب تقديره الحافل؛ إذ تحدّث عن الرواية والرواة بادئاً بتوسّع العرب في الحفظ مقارنة باليونان، ومسجّلاً تفوّق الجاهليين في الرواية الشعرية، إذ كان الشاعر لسان قومه ومدون مفاخرهم، فهم أحرص الناس على ترديد ما يقول.
أما ما كتبه الرافعي عن الرواية بعد الإسلام فمن أنفس ما كتب عن الرواية في القديم والحديث، وأكثر من جاء بعده ممن خاضوا في تاريخ الرواية الشعريّة عيال على ما كتب، وقد كان تاريخ الحديث في تدوينه المتسلسل كالمجهول؛ لأن كتب الأدب القديمة تجمع عن روايات تتناقض في كثير منها، وتحتاج إلى قاص، ففتح الله على الرافعي بما كان مدداً لمن تلاه.
وإذا كان الإسناد في الحديث مما اشتهر فإن الإسناد في الأدب كان يتطلّب معالجة كاشفة بدأها المؤلّف بالفرق الواضح ما بين الإسناد في رواية الحديث والإسناد في رواية الأدب.
ثناء طه حسين على كتاب الرافعي
وقد تحّدث الدكتور طه حسين في الأدب الجاهلي (1) عن جهد الرافعي في تحقيق الوضع في الشعر والقصّة فقال: " وهذا الفن الأدبي تناول الحياة العربية والإسلامية كلها من ناحية خياليّة لم يقدرها الذين درسوا تاريخ الآداب العربية قدرها، لا أكاد أستثني منهم إلاّ الأستاذ مصطفى صادق الرافعي، فهو قد فطن لما يمكن أن يكون من تأثير القصص في نحل الشعر وإضافة القدماء، كما فطن لأشياء أخرى قيّمة وأحاط بها إحاطة حسنة في الجزء الأول من كتابه (تاريخ آداب العرب).
تعقيب الرافعي
" نشكر له ما تفضّل به من الثناء علينا في كتابه واستثنائه إيانا في بعض المعاني من كل من درسوا تاريخ الآداب العربية، ونحن دون هذا في أنفسنا، ودون ما أبلغنا إياه مع بعض أصدقائنا، وإن كنا نعرف من صنيع الأستاذ الفاضل أنه لا ينصفنا مرة إلا بعد أن يظلمنا مراراً، وأنه اتخذ الوقيعة فينا مذهباً عرف به وغلب عليه حتى لا يكاد يقول أنصار القديم أو يكتب أنصار القديم إلا توجه ذلك عنده إلينا خالصاً دون المؤمنين".
إنكار الرافعي لتقسيم الأدب على نسق العصور السياسية
ومن أسبق ما جاء به الرافعي في تاريخ الأدب أنه أنكر ما عرف من التاريخ الأدبي وفق العصور السياسية.
قال (الرافعي):" إن تلك العصور إذا صلحت أن تكون أجزاء للحضارة العربية التي هي مجموعة الصور الزمنية لضروب الاجتماع وأشكاله، فلا تصلح أن تكون أبوابا لتاريخ آداب اللغة التي بلغت بالقرآن الكريم مبلغ الإعجاز على الدهر، ولم تكد تطوي عصرها الأول حتى كان القرآن أول سطر كتب لها في صفحة العصر الثاني شهادة الخلود، وما بعد أسباب الخلود من كمال".
ثم قال:" فتاريخ الآداب في كل أمة ينبغي أن يكون مفصلا على حوادثها الأدبية؛ لأنها مفاصل عصوره المعنوية، والشأن في هذه الحوادث التي يقسم عليها التاريخ أن يكون مما يحدث تغيراً معقولاً في شكله، وأن يلحق بمادته تنوعاً خاصاً بنوع كل حادثة منها، فإن لم تكن كذلك لم يكن التاريخ متجدداً إلا باعتباره الزمني، وهذا ليس بشيء ".
الجزء الثاني
فإذا تركنا الجزء الأول من تاريخ الآداب إلى الجزء الثاني فإننا نجده خاصاً بإعجاز القرآن والبلاغة النبوية، أفاض الرافعي في هذا الجزء في تحليل البيان القرآني والإبداع النبوي بما فتح الله عليه به من الإلهام المؤمن، وصنيعه هذا يؤكد اهتمامه بالنص العربي الأول للبيان الرفيع في المكتبة العربية، لأن أكثر مؤرخي الأدب من قبله ومن بعده يجملون الحديث عن القرآن والحديث في صفحات مبتورة، وكأنهما ليسا أكبر نتاج حافل في العربية، وقد يجيء الحديث عن شاعر كـ جرير أو الأخطل في حيز متسع أكثر مما ظفر به هذان الأثران الجهيران، فأراد الرافعي بإفرادهما في جزء مستقل أن
¥