قال السُّبكي: ويُحتمل أن يكون المراد: لا تتخذوا له وقتًا مخصوصًا لا تكون الزيارة إلا فيه، أو لا يُتخذ كالعيد في العكوف عليه وإظهار الزينة والاجتماع وغيره مما يُعمل في الأعياد، بل لا يؤتَى إلا للزيارة والسلام، ثم ينصرف عنه. ومهما يكن من شيء فإن اتخاذ قبور الأنبياء ومثلهم الصالحون للتقرُّب هو لصلتها بمن فيها والتبرُّك بهم ـ كما قدَّمنا ـ وإن كانت العبادة لله وحده، وكان بعض الصحابة كعبد الله ابن أم مكتوم يحرص أن يصلي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بيته ليتَخذَه مسجدًا، وابن عمر كان يَتَتَّبع مواضعه عليه الصلاة والسلام وآثاره، جاء في صحيح البخاري عن موسى بن عقبة قال: رأيت سالم بن عبد الله يتحرَّى أماكن من الطريق ويصلِّي فيها، ويحدِّث أن أباه ـ عبد الله بن عمر ـ كان يصلِّي فيها، وأنه رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلِّي في تلك الأمكنة.
قال موسى: وحدثني نافع أن ابن عمر كان يصلِّي في تلك الأمكنة. وقد رخَّص أحمد بن حنبل في ذلك ـ كما قال ابن تيمية ـ ولكن كره أن يُتخذ ذلك عيدًا للناس يعتادونه، استنادًا إلى ما رُوي أن عمر رأى جماعة ابتدروا مكانًا يصلُّون فيه؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلَّى فيه، فقال: هكذا هلكَ أهل الكتاب قَبْلَكُمْ، اتخذوا آثار أنبيائهم بِيَعًا، من عَرضت له منكم الصلاة فيه فليصلِّ، ومن لم تَعرض له الصلاة فليمضِ، فقد نهى عن التزام ذلك واتخاذه موسمًا يعتادونه، أما القليل العارض غير المقصود فلا بأس به. والتبرُّك في حدوده المعقولة ـ كما قلنا ـ لا مانع منه، فقد كان الصحابة يتبرَّكون بآثار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، جاء في صحيح البخاري أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اتخذ خاتَمًا في يده من الوَرِق ـ الفضة ـ ثم كان في يد أبي بكر بعده، ثم كان في يد عمر، ثم كان في يد عثمان حتى وقع في بئر " أريس "، وكان نقشه " محمد رسول الله " وفي بعض الروايات أنه مَكَثَ في يد عثمان ست سنوات، واجتهدوا في العثور عليه في البئر فلم يفلحوا. وبئر " أريس " بجوار مسجد قباء ويعرف باسم " بئر الخاتم ".
وجاء في البخاري أيضًا أن الزبير بن العوام كانت له عَنْزَة طعن بها عبيدة بن سعيد بن العاص يوم بدر، فسأله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إياها، فأعطاها له، ولما قُبِضَ أخذها، ثم سألها إياه أبو بكر ومن بعده عمر وعثمان وعلي. والعَنْزَة كالحربة. وكذلك جاء في البخاري أن عمر ـ رضى الله عنه ـ لم يقطع الشجرة التي كانت عندها بَيْعَة الرضوان إلا لاختلاف الناس بعدها فيها وفي مكانها. تكملة: ـ جاء في فتوى الشيخ عبد المجيد سليم بتاريخ 22 من يونية سنة 1940 ما ملخصه: أن ابن تيمية منع دَفْنَ الميت في المسجد وقال في إحدى فتاويه: إنه لا يجوز دفنُ ميت في مسجد، فإن كان المسجد قبل الدَّفن غُيِّر، إما بتسوية القبر وإما بنبشه إن كان جديدًا، والعِلَّة في المنع هي عدم اتخاذه ذريعة للصلاة إلى القبر.
وجاء عن ابن القيم في " زاد المعاد ": أنَّ الإمام أحمد وغيره نصَّ على أنه إذا دُفِنَ الميت في المسجد نُبش، وقال ابن تيمية: لا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيُّهما طرأ على الآخر مُنِعَ منه وكان الحكم للسابق.
وقال النووي في شرح المهذَّب: اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر، سواء كان الميت مشهورًا بالصلاح أو غيره، لعموم الأحاديث، قال الشافعي والأصحاب: وتُكره الصلاة إلى القبور، سواءٌ كان الميت صالحًا أو غيره قال الحافظ أبو موسى: قال الإمام الزعفراني رحمه الله: ولا يُصلَّى إلى قبر ولا عنده تبرُّكُا به ولا إعظامًا له، للأحاديث أهـ.
وأعدل الأقوال أن الصلاة إذا كانت تعظيمًا للقبر فهى حرام وباطلة؛ لأن ذلك شِرْكٌ، أما إذا خلت من التعظيم فهى صحيحة مع الكراهة إن كان القبر أمام المصلِّي، أما إن كان خلفه أو عن يمينه أو عن يساره فلا كراهة. والله أعلم،
ـ[أبوخبيب]ــــــــ[23 - 06 - 02, 04:32 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
س: هل يجوز زيارة قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم؟
وما آداب هذه الزيارة؟
...................................
من كتاب [تنبيه زائر المدينة على الممنوع والمشروع في الزيارة]
بقلم الدكتور / صالح بن غانم السدلان.
ص / 16:
[جميعُ الأحاديث التي رويت في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم ليس منها شيء
صحيح ولم يروِ أحدٌ من أهل الكتب المعتمدة منها شيء لا أصحاب الصحيح كالبخاري
ومسلم ولا أصحاب السنن كأبي داود والنسائي ولاالأئمة من أهل المسانيد كالإمام
أحمد وأمثاله ولا اعتمد على ذلك أحد من أئمة الفقه: كمالك، والشافعي.
وأحمد، وإسحاق، والثوري، والأوزاعي، وأبي حنيفة وأمثالهم بل عامة
هذه الأحاديث مما يعلم أنها كذبٌ موضوعة ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم
حديث واحد في زيارة قبره]. < مجموع فتاوي شيخ الإسلام > ج 27/ 35
ص / 43:
[وكان العمل الشائع لدى الصحابة ــ الخلفاء الراشدين والسابقين الأولين ــ
أنهم يدخلون مسجده ويصلون عليه في الصلاة ويسلمون عليه ولم يكونوا
يذهبون إلى القبر المكرم لا من داخل الحجرة ولا خارجها لا لسلام ولا لصلاة
ولا دعاء ولا غير ذلك من حقوقه المأمور بها في كل مكان]
< مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج 27/ 413،414 >.
ص / 43:
[وكان ابن عمر وحده هو الذي يذهب إلى القبر إذا قدم من سفر فيقول:
السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت ولم
يتابعه عليه أحد من الصحابة] < تنوير الحوالك شرح موطأ مالك > ج 1/ 180
وأما ما زاد على ذلك مثل الوقوف للدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم مع كثرة
الصلاة والسلام عليه فقد كرهه مالك وقال: (هو بدعة لم يفعلها السلف.
ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها).
[انظر: < فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية > ج 27/ 384].
¥