وصحَّ في البخاري أن عبد الله بن سلام كان يتبرَّك بالقدَح الذي شرب منه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبالمكان الذي صلَّى فيه.].
الجواب:
نعم أصاب هنا في ذكر التمسح بالقبر وتقبيله، وأنه من الأمور المخالفة للسنة النبوية.
وإنما أردت التعقيب على ما ذكره عن الإمام أحمد -رحمه الله- فأقول:
1/ إن المحفوظ عن الأئمة الأربعة ومنهم الإمام أحمد، أنهم لا يستحبون تقبيل القبر، ولا التمسح به، ولا التبرك به.
وأما الرواية التي ذكرها عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب العلل ففيها نظر من وجوه:
الوجه الأول: أنه معارضة للمشهور عن الإمام أحمد من رده البدع والمحدثات، وأنه لا يقول بقول ليس له فيه إمام، ولا يعرف التمسح بالقبر ولا تقبيله عن أحد من السلف.
الوجه الثاني: أنه معارض لما عليه الإمام أحمد نفسه، وهذا ظاهر جداً في رواية الأثرم والتي ذكرها الكاتب.
قال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبد الله ـ يعني أحمد بن حنبل ـ: قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُمَسُّ ويُتَمَسَّح به؟ فقال: ما أعرف هذا.
الوجه الثالث: أن رواية عبد الله بن الإمام أحمد في العلل ليست كما ساقها الشيخ عطية صقر بل هي كما يلي:
قال عبد الله في كتاب العلل ومعرفة الرجال (2/ 492رقم3243): سألته عن الرجل يمس منبر النبي-صلى الله عليه وسلم-، ويتبرك بمسه، ويقبله، ويفعل بالقبر مثل ذلك، أو نحو هذا، يريد بذلك التقرب إلى الله -جل وعز- فقال: لا بأس بذلك.
فالسؤال كان موجهاً –ابتداءً- عن المنبر، وعطف عليه السؤال عن القبر فلعل الإمام أحمد ذهل عن الفقرة الثانية من السؤال وهي المتعلقة بالقبر فأجاب بقوله: لا بأس بذلك يعني التبرك بمس المنبر.
والإمام أحمد بشر، يذهل، ويغفل، فلعله ذهل هنا عن السؤال.
الوجه الرابع: أن يقال: إن عبد الله بن الإمام أحمد وهم بذكر السؤال عن القبر، ونسي نص سؤاله، وذكر ما علق بذهنه فوهم وأخطأ، نظراً لمخالفة ما ذكره لأصول الإمام أحمد ولرواية الأثرم.
الوجه الخامس: يحتمل أن تكون جملة: [ويفعل بالقبر مثل ذلك، أو نحو هذا، يريد بذلك التقرب إلى الله -جل وعز-] مقحمة ليست في الأصل.
ولا نقول هذا تشكيكاً في كتاب العلل لعبد الله، فهو صحيح ثابت عنه، ولكن نقول بهذا الاحتمال لمخالفة تلك الرواية لأصول الإمام أحمد وللرواية الأخرى عنه وهي رواية الأثرم الموافقة لأصوله -رحمه الله-.
الوجه السادس: أنه لو صحت تلك الرواية عن الإمام أحمد فيحتمل أنه تراجع عنها، والذي دلنا على التراجع رواية الأثرم.
فإن قيل: وما دليل التراجع ونحن لا نعلم التاريخ؟
فالجواب: أن رواية عبد الله بن الإمام أحمد مخالفة لأصول الإمام أحمد، ولما عليه السلف، ورواية الأثرم موافقة لأصول الإمام أحمد ولما عليه السلف، وحمل الرواية الأولى على أنها المتقدمة والرواية الثانية على أنها الأخيرة يوجبه إحسان الظن بالإمام أحمد.
الوجه السابع: أن رواية عبد الله -رحمه الله- لو كانت هي الأخيرة –ولا يصح-، ولو كانت ثابتة عنه يقيناً –وهذا فيه نظر- لعدت غلطاً من الإمام أحمد، ولردت ورمي بها عرض الحائط.
لأنها مخالفة للأصول الإمام أحمد -رحمه الله-، ولمخالفتها لما عليه السلف والأئمة.
وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
2/ أما التبرك بالرمانة، والمنبر فهذا قد حصل فيه خلاف بين السلف فكرهه الإمام مالك وغيره، وأجازه عطاء -رحمه الله- وغيره وأخذ به الإمام أحمد.
وسبب إباحة عطاء -رحمه الله- والإمام أحمد -رحمه الله- للتبرك بالمنبر والرمانة أن الرمانة كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يضع يده عليها، ويضع قدميه الشريفتين على المنبر فأباحه من أباحه لأنهما موضع يد النبي -صلى الله عليه وسلم- وقدميه، كما صح عن أنس -رضي الله عنه- التبرك بقدح النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- كانت تتبرك بجبة للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
ولكن في عصرنا الحاضر ينبغي حسم هذا الباب لأنه لا يصح شيء من الآثار الآن ولا يمكن إثباته.
¥