" فظهر أن المراد بالأيام في حديث الباب أيام عشر ذي الحجة , لكنه مشكل على ترجمة البخاري بأيام التشريق ويجاب بأجوبة. أحدها: أن الشيء يشرف بمجاورته للشيء الشريف , وأيام التشريق تقع تلو أيام العشر , وقد ثبتت الفضيلة لأيام العشر بهذا الحديث فثبتت بذلك الفضيلة لأيام التشريق. ثانيها: أن عشر ذي الحجة إنما شرف لوقوع أعمال الحج فيه , وبقية أعمال الحج تقع في أيام التشريق كالرمي والطواف وغير ذلك من تتماته فصارت مشتركة معها في أصل الفضل , ولذلك اشتركت معها في مشروعية التكبير في كل منها , وبهذا تظهر مناسبة إيراد الآثار المذكورة في صدر الترجمة لحديث ابن عباس كما تقدمت الإشارة إليها. ثالثها: أن بعض أيام التشريق هو بعض أيام العشر وهو يوم العيد , وكما أنه خاتمة أيام العشر فهو مفتتح أيام التشريق , فمهما ثبت لأيام العشر من الفضل شاركتها فيه أيام التشريق " اهـ
وبالإضافة إلى أجوبة الحافظ ابن حجر ظهر لي جواب رابع وهو أنه يحتمل أن يكون قصد البخاري بإيراد هذا الحديث في هذا الباب أن العمل الصالح في أيام التشريق فاضل لكنه ليس بأفضل من العمل الصالح في أيام العشر الأول من ذي الحجة، والله أعلم.
4) لو كان المراد بالحديث أيام التشريق لكان الحديث دالا على أنها أفضل من أيام العشر ومن يوم النحر ويوم عرفة، وهذا معارض للنصوص والآثار الواردة في فضائل العشر ويوم النحر ويوم عرفة، كحديث " إن أعظم الأيام عند الله تعالى يوم النحر، ثم يوم القر" رواه أبو داود وصححه الألباني، وقد فسر يوم القر بيوم عرفة أو باليوم الحادي عشر، وينظر ما ورد في تفسير الطبري وابن كثير من آثار سلفية في تفسير قوله تعالى (وليال عشر والشفع والوتر) فيستفاد منها إطباق السلف على تفضيل يوم النحر ويوم عرفة خصوصا وعشر ذي الحجة عموما على أيام التشريق.
5) قال الشيخ إحسان _ وفقه الله _: " والمقصود بـ " العمل " هو " التكبير " وعموم الذكر " اهـ
قلت: هذا تحجير واسع وتخصيص بغير مخصص، فالعمل الصالح الذي يضاعف أجره في هذه الأيام لا يقتصر على الذكر والتكبير، بل يشمل جميع العمل، ويدل على ذلك النصوص والآثار التي ورد فيها الترغيب في أعمال أخرى في هذه الأيام كالحج والعمرة والصوم والأضحية والهدي وغيرها، واجتهاد السلف في عموم العمل الصالح في هذه الأيام دليل على أنهم فهموا أن مضاعفة الأجر فيها لا تقتصر على الذكر والتكبير.
6) استشكل الشيخ إحسان _ وفقه الله _ أن يكون العمل الصالح في العشر أفضل من الجهاد في العشر وظن أنه لا مخرج من الإشكال إلا بأن يقيد العمل بالذكر والتكبير
قلت: الاستشكال من أساسه خطأٌ، لأن المراد بالحديث أن أي عمل صالح في أيام العشر كصلاة أو صيام أو صدقة أو حج أو عمرة أو أضحية أو ذكر أفضل من الجهاد في سبيل الله في غير عشر ذي الحجة، ومن باب أولى فالجهاد في العشر داخل في عموم العمل الصالح ولذا فهو أفضل من الجهاد في غيرها، فالخلاصة أن الصحابة استشكلوا كيف تكون صلاة ركعتين في أيام العشر أو صدقة أو تسبيحة في العشر أفضل من الجهاد في ذي القعدة أو شوال أو صفر أو أي زمان غير العشر؟ فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن العمل الوحيد في غير العشر الذي يعادل أو يفوق العمل الصالح في العشر هو أن يجاهد في غير العشر بنفسه وماله حتى يستشهد، فالشهادة حينئذ في محرم أو صفر أو ربيع مثلا أفضل من العمل الصالح في العشر، ولا غرابة في أن يكون ذكر أو حج أو صلاة أو صدقة في العشر تعدل الجهاد في غيرها فقد وردت نصوص تفيد أن هناك أعمالاً تفضل الجهاد كالصلاة على وقتها وبر الوالدين وذكر الله وأعمالا تساوي الجهاد كالحج وطلب العلم، وفي الختام فلا يفوتني الثناء الجميل على الشيخ إحسان وعلمه وفضله، فطالما انتفعنا بفوائده القيمة، نسأل الله تعالى لنا وله التوفيق والسداد، والحمد لله رب العالمين.
وكتب:
وليد بن إدريس المنيسي
غرة ذي الحجة سنة 1424 للهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم
ـ[أبو خديجة]ــــــــ[24 - 01 - 04, 09:17 م]ـ
رحم الله تعالى الإمامَ الحافظَ ابنَ حجرٍ شيخ الإسلام والمسلمين ..
وسدد الله تعالى الشيخ أبا خالد السلمي وبارك في علمه وفهمه ..
وآجر الله تعالى أبا طارق العتيبي على اجتهاده الذي جانب الصواب .. ، والرجوع للحق هو دأب الصادقين.
ـ[عبدالله الحسني]ــــــــ[24 - 01 - 04, 11:04 م]ـ
جزاك الله خيرا، ونفع بك ....
كنت قد تعجبت من المقال كيف ترك من غير تعقيب ...
وكنت أنوي لو كان عندي فسحة في الوقت أن أبين ما فيه لكن الله كفاني ذلك بما كتبت وبينت جزاك الله كل خير
ـ[المتبصر]ــــــــ[25 - 01 - 04, 12:25 ص]ـ
أحسنتم بارك الله فيكم
و بخصوص قول الأخ إحسان (وفي الحديث الذي في الرواية المشهور إشكال بيِّن واضح وهو:
أن الجهاد الذي سأل عنه الصحابة داخل أصالة في قوله صلى الله عليه وسلم " العمل الصالح "، فلم سأل عنه الصحابة رضي الله عنهم؟؟؟
فواضح من سؤالهم أن " الجهاد " ليس بداخل في " العمل الصالح " وإلا لكانوا في غنية عن سؤالهم).
جوابه: أن الصحابة لما سمعوا ما قال النبي صلى الله عليه و سلم من قول دال على العموم و الاستغراق لجميع الأعمال = أصابهم العجب، و انصرفت أذهانهم إلى الجهاد دون غيره، لعظمه - كما هو متقرر شرعا - فقد عد أفضل الأعمال بعد الإيمان، و لأنه أقرب الأعمال إليهم من حيث أنه يكثر وقوعه منهم، فهو كانوا دائما مع النبي صلى الله عليه وسلم
في جهاد، فقال لهم (إلا رجل خرج بنفسه و ماله .. ) الحديث، فدل على أن استغراق جميع أفراد العام مراد من النبي صلى الله عليه وسلمو ليس مراده بالعمل الذكر الخاص فقط.
و إلا لبين لهم النبي صلى الله عليه و سلم خطأهم في الفهم بأنه كان يعني الذكر بقوله الذي يفهم منه العموم، فظاهر الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على فهمهم، أن الدهاد مندرج في جملة الأعمال التي لا تفضل العمل في أيام العشر،
¥