تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مع أغلى كتاب (أفياء المشاهد وأثرها النفسي ... ) 12]

ـ[د. محمد ناجي مشرح]ــــــــ[10 - 02 - 04, 06:23 م]ـ

أفياء المشاهد وأثرها النفسي والتربوي والإعلامي (12)

المشهد الثاني عشر الكيد المضاد:

هذا الكيد الذي دبرته المرأة لتنتقم من النسوة اللاتي تحدثن عنها فيما وقع بينها وبين يوسف عليه السلام. إنها امرأة صاحبة ذكاء ومكر فلم تعدم التصرف المناسب في الوقت المناسب فهؤلاء النسوة لابد من تأديبهن بأسلوب يوقعهن فيما وقعت هي فيه ليعذرنها أولا وثانيا لتتشفى بهن كما تشفين بها ومن أساء إلى الآخرين سلط الله عليه من يسيء إليه. هذا المشهد يبرز المرأة وهي ترتب الكيد لهن وهذه هي اللقطةالأولى وتأتي اللقطة الثانية من المشهد لتبرز النسوة وقد أخذن مكانهن وأعطين الفاكهة والسكاكين وبدأن يأكلن ثم تأتي اللقطةالثالثة فنرى يوسف عليه السلام وقد أُمر بالخروج عليهن فجأة فقطعن أيديهن بدلا من الفواكه لهول المفاجأة بطلعة يوسف وجماله وكماله عليه السلام فيصفنه وصفا يخرجه عن كونه بشرا إنه في منظارهن ملك كريم. وقد تخلل المشهد الحادي عشر والثاني عشر مايثير التساؤل لدى المشاهدين وهو الفجوة أو القنطرة التي توظفها النصوص في شحذ الذهن وإبقائه نشطا؛ هذا التساؤل هو كم المدة التي كانت بين الحادثة وبين استضافة النساء ومن هن النساء اللاتي استضفن ويصور الله تعالى هذا المشهد بقوله تعالى {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) ([1])

وينتهي المشهد وقد رسم ظلالا تربوية في نفوس المشاهدين منها:

1 - كيفية المواجهة للخبر الذي يحمل إساءة إلى المجتمع أو إلى أحد من أفراده فإنه ينبغي أن يتعامل الخبر كما لو كان موجها إلى النفس.

فالقاعدة القرآنية تعني هذا في قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (11) ([2])

والقاعدة الثانية عظم الخوض فيه قال تعالى {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)} (4 [3]).

بل إن المنهج القرآني يذهب إلى أبعد من هذا فأمر بأن يمحص الخبر قبل كل شيء قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)} ([4])

ويرشد إلى الانتقاء وعدم التحدث بكل ما يسمع فيقول النبي صلى الله تعالى وسلم {كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ماسمع} ([5])

وتلك قواعد كفيلة بأن تقتل الإشاعة في مهدها وتصون المجتمع من التصدعات التي تبثها الإشاعة المغرضة.

2 - الإحساس بالجزاء العاجل أو الآجل فإنه يعد من العوامل المهمة جدا في ميدان السلوك المنضبط فالنسوة عوقبن جزاء التفريط الذي مارسنه في حق المرأة مهما يكون الخطأ فإنه إذا لم يتأت من نشره فائدة فقط للترف والتشفي والفضول وقصد الإساءة فإنه خطأ ينال الذي مارسه جزاءه في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معا ولاشك أن المشاهد المتنبه يقطف هذا من خلال المشهد فيتعظ فإن الله تعالى عدل يقتص للمظلوم من الظالم ولو كان المظلوم كافرا وقد جلى هذه القاعدة المهمة قول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ والإِمَا مُ الْعَا دِلُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَا مِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ وَعِزَّتِي لأنْصُرَنَّك ِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ} ([6])

وهذه المراقبة الذاتية مهمة في ميدان السلوك المنضبط فإن المراقبة الخارجية لا تفي بالمطلوب إلى جانب أنها مكلفة،والفرق بين الؤمن وبين المنافق يبرز في عدد من الأمور منها أن المؤمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهذه الصفة ناتجة عن مراقبة داخلية، تدفع صاحبها نحو هذه الوظيفة المهمة التي تعتبر ركنا من أركان الحياة الرئيسة التي لا يتأتى لحياة سعيدة أن تُجتنى بدونها.

وبالأ مر بالمعروف تبنى مواطن قوية لايخشى انهدام بناها

3 - الحذر من الزهو فإنه يؤدي إلى نتيجة مقفرة أبرزها ثنتان:

الأولى الأنانية التي تعتبر -بدون ضوابط -مضرة للغاية والثانية إفشاء ما بداخل النفس من أسرار ما كانت لتفشى لولا هذا الزهو الذي علا النفس فأخرجها من طبيعتها المتزنة، فالمرآة انتفشت أمام النسوة لما رأت موقفهن تجاه المفاجأة فعلاها الزهو فوقعت في المطبين المذكورين في آن واحد إن مثل هذه الحالات التي ينتشي فيها الجسم لانبغى للعاقل أن يتصرف ولا يتكلم ولا يعمل أي عمل إلى أن تذهب النشوة تماما أو -على الأقل- يضغط على أي تصرف ضغطا قويا ويأخد من المائة عشرة فقط وسيجد في النهاية آن تلك العشرة كثير.


[1]- سورة يوسف.

[2]- سورة الحجرات

[3]- سورة النور

[4]-سورة الحجرات.

[5]- رواه مسلم في المقدمة رقم 6 عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه

[6]- رواه الترمذي في كتاب الدعوات رقم 3522 عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. ورجاله ثقات.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير