والمآل الذي انتهت به مملكتها والهزيمة التي لحقت بها وبقومها تقوي عضد حديث أبي بكرة رضي الله عنه لا تعارضه بعدم فلاح وهلاك وخسران من ولوا أمرهم امرأة أياً كان شأنها وأياً كان عقلها بل ورد الحديث بلفظ التملك: فقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "لن يفلح قوم تملكهم امرأة" وهو صحيح رواه الإمام أحمد وغيره وذكره ابن حبان تحت عنوان: ذكر الإخبار عن نفي الفلاح عن أقوام تكون أمورهم منوطة بالنساء ....
أضف إلى ذلك أنه بعد أن أقام سيدنا سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام الحجة عليها وأسلمت لم يُعِدها إلى ملكها.
سابعاً. قد تعدى الكاتب أيضاً على أبي بكرة رضي الله عنه حيث اتهمه بالتعريض بأمنا عائشة رضي الله عنها حيث جعلها الكاتب قائدة للجيش وهذا افتراء وتعدي أيضاً على أمنا رضي الله عنها وأبو بكرة رضي الله عنه عصم نفسه أيام الفتنة وذكر ما نفعه الله به فأحرى بالكاتب وأمثاله أن يعصم لسانه وقلمه عن الخوض في الصحابة وما حصل بينهم رضي الله عنهم أجمعين.
أما خروج عائشة رضي الله عنها إلى حرب الجمل لم يكن لأجل الحرب أو من أجل منازعة علي رضي الله عنه في الخلافة، وإنما أنكرت عليه منعه من قتل قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وترك الاقتصاص منهم - وكان علي رضي الله عنه ينتظر من أولياء عثمان رضي الله عنه أن يتحاكموا إليه، فإذا ثبت على أحد بعينه أنه ممن قتل عثمان رضي الله عنه اقتص منه، فاختلفوا - بحسب ذلك، وكذلك لتعلق الناس بها - رضي الله عنها - وشكايتهم إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة، وتهارج الناس، ورجوا بركتها في الإصلاح، وطمعوا في الاستحياء منها إذا وقفت إلى الخلق وظنت هي ذلك، فخرجت مقتدية بقوله تعالى: "لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ "، وبقوله تعالى: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا"
والأمر بالإصلاح مخاطب به جميع الناس من ذكر أو أنثى، حر أو عبد، فلم يرد الله بسابق قضائه ونافذ حكمه أن يقع إصلاح، ولكن جرت مطاعنات وجراحات حتى كاد يفنى الفريقان، فعمد بعضهم إلى الجمل فعرقبه، فلما سقط الجمل لجنبه أدرك محمد بن أبي بكر أخته عائشة رضي الله عنهم، فاحتملها إلى البصرة، وخرجت في ثلاثين امرأة حتى أوصلت إلى المدينة برة تقية مجتهدة، مصيبة مثابة ومأجورة فيما تأولت وفعلت.
بل إن أم المؤمنين - رضي الله عنها - لما توجهت إلى البصرة نزلت بعض مياه بني عامر، فنبحت عليها الكلاب قالت: ((أي ماء هذا؟ قالوا: (الحوأب)، قالت: ما أظنني إلا راجعة، فقال لها بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم، فقالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم: كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب)) قال ابن حجر: أخرج هذا أحمد وأبو يعلى والبزار، وصححه ابن حبان والحاكم، وسنده على شرط الصحيح. (انظر رسالة الدكتوراه المشار إليها لاحقا)
ثامناً. أن القاعدة الأصولية تقول: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فإذا ورد لفظ العموم على سبب خاص لم يسقط عمومه سواء كان السبب سؤالاً أو غيره كما روى أنه صلى الله عليه وسلم مر على شاة ميتة لميمونة رضي الله عنه فقال: "أيما أهاب دبغ فقد طهر" ويدل لذلك أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستدلون بالعموميات الواردة في أسباب خاصة من غير خلاف. وحديث أبي بكرة رضي الله عنه ورد في سبب خاص واستدل به أبو بكرة رضي الله عنه لسبب آخر خاص لكن لفظه عام فيبقى على عمومه.
تاسعاً. أن رواية الحسن البصري رحمه الله عن أبي بكرة رضي الله عنه خالية من التدليس لأنه قد ثبت سماعه منه، قال البخاري قال لي علي بن المديني: إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة رضي الله عنه بهذا الحديث انظر البخاري آحاديث رقم (2704 ـ 3746ـ 7109) ففيها التصريح بسماع الحسن من أبي بكرة رضي الله عنه.
وختاماً. أدعوا الكاتب ومَن شاكله أن لا يهرف بما لا يعرف وأن يعود إلى رشده ويثني الركب عند المشايخ ليتعلم الفقه والحديث والتفسير وغيرها قبل أن يتعدى عليها وعلى حراسها بمدنية مزعومة وتطور موهوم وعقلانية زائفة وما سمي العقل عقلاً إلا لأنه تعقله نصوص الوحيين الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.
وأدعوه وغيره إلى الاستفادة من رسالة الدكتوراه (قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية) لفضيلة الدكتور / فؤاد بن عبد الكريم حفظه الله وقد استفدت منها في ردي عليه.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه واتباع أهله، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه واجتناب أهله.
هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
رابط
http://saaid.net/Doat/ysmf/32.htm
ـ[علي الفضلي]ــــــــ[25 - 06 - 08, 03:02 م]ـ
أحسن الله إليك، ورفع الله درجتك في الصالحين.
اللهم اقبله في الصالحين، وأسكنه مع النبيين.