تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد يقول القائل: ولكن يظهر أن هؤلاء المشايخ أغنياء، وهنا أتذكر كلمة قالها الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم - حفظه الله وأكرمه ورفع قدره في الدنيا والآخرة - حين قال له بعض أهل الجماعات، وكان ذلك في أوائل التسعينات: لماذا لا يقبض على السلفيين؟، فقال - حفظه الله: وهل نلام على العافية؟!، وأنا أجيب بنفس الإجابة: هل نلام على رزق ساقه الله إلينا دون تشوف أو مسألة؟!!

هل نلام على ستر الله وفضله وعافيته؟!!

ثم ... في النهاية – أخي الحبيب – والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إني أحبك في الله، أحب في النهاية أن أوجه لك نصيحة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، فانشغل بنفسك وأصلح حالك، عفا الله عني وعنك ..

جاء رجل إلى الإمام مالك رحمه الله وقال له: كم عمرك؟، فقال له الإمام: أقبل على شأنك، وقام ..

يعني (إشارتك خضرا) .. (شق طريقك) .. (سيبنا ف حالنا) .. (خليك ف نفسك) .. (بلاش دوشة) .. أو ما إلى ذلك، هذا معنى كلام الإمام.

وقد رأيت الشيخ على الطنطاوي كتب مقالة نشرت سنة 1956 في مجلة الإذاعة، فأردت أن أقتبسها منه وأضعها ها هنا وكأنها تحكي أحوالنا، فخذها هنيئا مريئا ,, وارحمونا ...

(نظرت البارحة فإذا الغرفة دافئة والنار موقدة، وأنا على أريكة مريحة، أفكر في موضوع أكتب فيه، والمصباح إلى جانبي، والهاتف قريب مني، والأولاد يكتبون، وأمهم تعالج صوفا تحيكه، وقد أكلنا وشربنا، والراديو يهمس بصوت خافت، وكل شيء هادئ، وليس ما أشكو منه أو أطلب زيادة عليه.

فقلت " الحمد لله "، أخرجتها من قرارة قلبي، ثم فكرت فرأيت أن " الحمد " ليس كلمة تقال باللسان ولو رددها اللسان ألف مرة، ولكن الحمد على النعم أن تفيض منها على المحتاج إليها، حمد الغني أن يعطي الفقراء، وحمد القوي أن يساعد الضعفاء، وحمد الصحيح أن يعاون المرضى، وحمد الحاكم أن يعدل في المحكومين، فهل أكون حامدا لله على هذه النعم إذا كنت أنا وأولادي في شبع ودفء وجاري وأولاده في الجوع والبرد؟، وإذا كان جاري لم يسألني أفلا يجب علي أنا أن أسأل عنه؟

وسألتني زوجتي: فيمَ تفكر؟، فقلت لها.

قالت: صحيح، ولكن لا يكفي العباد إلا من خلقهم، ولو أردت أن تكفي جيرانك من الفقراء لأفقرت نفسك قبل أن تغنيهم.

قلت: لو كنت غنيا لما استطعت أن أغنيهم، فكيف وأنا رجل مستور، يرزقني الله رزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا؟

لا، لا أريد أن أغني الفقراء، بل أريد أن أقول إن المسائل نسبية، وأنا بالنسبة إلى أرباب الآلاف المؤلفة فقير، ولكني بالنسبة إلى العامل الذي يعيل عشرة وما له إلا أجرته غني من الأغنياء، وهذا العامل غني بالنسبة إلى الأرملة المفردة التي لا مورد لها ولا مال في يدها، ورب الآلاف فقير بالنسبة لصاحب الملايين؛ فليس في الدنيا فقير ولا غني فقرا مطلقا وغنىً مطلقا، وليس فيها صغير ولا كبير، ومن شك فإني أسأله أصعب سؤال يمكن أن يوجه إلى إنسان، أسأله عن العصفور: هل هو صغير أم كبير؟، فإن قال صغير، قلت: أقصد نسبته إلى الفيل، وإن قال كبير، قلت: أقصد نسبته إلى النملة ..

فالعصفور كبير جدا مع النملة، وصغير جدا مع الفيل، وأنا غني جدا مع الأرملة المفردة الفقيرة التي فقدت المال والعائل، وإن كنت فقيرا جدا مع فلان وفلان من ملوك المال ..

تقولون: إن الطنطاوي يتفلسف اليوم .. لا؛ ما أتفلسف، ولكن أحب أن أقول لكم إن كل واحد منكم وواحدة يستطيع أن يجد من هو أفقر منه فيعطيه، إذا لم يكن عندك – يا سيدتي – إلا خمسة أرغفة وصحن " مجدرة " (وهو طعام من البرغل أي القمح المجروش مع العدس)، تستطيعين أن تعطي رغيفا لمن ليس له شيء، والذي بقي عنده بعد عشائه ثلاثة صحون من الفاصوليا والرز وشيء من الفاكهة والحلو يستطيع أن يعطي منها قليلا لصاحبة الأرغفة والمجدرة ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير