تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[يزيد المسلم]ــــــــ[07 - 04 - 08, 07:39 م]ـ

حكم نبش القبور

السؤال:

ما حكم نبش القبور؟ وما هي تلك الحالات التي تستدعي أو تستوجب نبش القبور؟ وهل يتغير أو يرتبط الحكم بالواقع و الظروف؟

الجواب:

أقول مستعيناً بالله تعالى بعد حمده و الصلاة و السلام على رسوله و آله:

إن الله تعالى جعل حرمة المسلم من أكبر الحُرمات، و أوجبها صوناً على المسلمين و المسلمات، و هذا ما فهمه السلف قبل الخلف؛ فقد روى ابن حبان و الترمذي بإسنادٍ حسن أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما نظر يوماً إلى الكعبة فقال: (ما أعظمَكِ و أعظمَ حُرمتِكِ! و المؤمنُ أعظم حُرْمةً مِنْكِ).

و حرمة المسلم غير مقيدة بحياته، بل هي باقية في الحياة و بعد الممات و يجب صونها و الذب عنها في كلّ حال، و على كلّ حال.

روى البخاري أن عبد الله بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما شهد جِنَازَةَ مَيْمُونَةَ أم المؤمنين رضي الله عنها بِسَرِفَ فَقَالَ: (هَذِهِ زَوْجَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلا تُزَعْزِعُوهَا وَ لا تُزَلْزِلُوهَا و ارْفُقُوا).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله [كما في فتح الباري]: يُستفاد من هذا الحديث أنَّ حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته، و فيه حديث (كسْرُ عَظْمِ المؤمن ميْتاً كَكَسرِهِ حياً) أخرجه أبو داود و ابن ماجه و صححه ابن حبان. اهـ.

و لا شك أن في نبش القبور و نقل ما فضل من آثار الموتى في الألحاد، انتهاك حرمةٍ أوجب الله تعالى حفظها و صيانتها و الدفاع عنها.

و عليه فإن التحريم هو الأصل في نبش قبور المسلمين، و لا يُعدَل عن هذا الأصل إلا في حالات بيّنها أهل العلم و هي على نوعين:

النوع الأول: نبش القبر لغاية محددة لا يجوز التوسع فيها عن مقدار الضرورة، و يجب إعادة دفن رفاة الميت في نفس الموضع الذي نُبِشَ فور بلوغ الغاية المبرِّرَة لنبشه.

و تندرج تحت هذا القسم حالات نُمَثِّل لها فيما يلي:

أولاً: إذا سقط في القبر أو نُسي فيه أثناء الدفن مالٌ مقوّم كالنقدين و مسحاة الحفَّار، أو كان فيه شيئ مغصوب من كفن و نحوه؛ فإنه يجوز نبشه لإخراج ما فيه من مالٍ، و يجب على من نبشه أن يواري الميت الثرى ثانية عقب استخراج ما سقط في القبر أو نُسيَ فيه.

قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله [كما في المغني: 2/ 412]: (و إن وقع في القبر ما له قيمة نُبِشَ و أُخْرِج. قال أحمد: إذا نسي الحفّار مِسحاته في القبر جاز أن ينبش عنها، و قال في الشيء يسقط في القبر مثل الفأس و الدراهم يُنبَش؟ قال: إذا كانت له قيمةٌ …].

و قال الخطيب الشربيني [كما في مغني المحتاج]: (إذا دفن في أرض أو في ثوب مغصوبين و طالب بهما مالكهما فيجب النبش، و لو تغير الميت، و إن كان فيه هتك حرمة الميت ليصل المستحق إلى حقه).

ثانياً: إذا كان مع المدفون مالٌ مقوّم غير يسير فينبش قبره، و يستخرج المال الذي معه، ثمّ يسوى عليه القبر ثانية.

و قد استدل بعض أهل العلم على جواز نبش القبر لاستخراج مالٍ دُفن مع الميت بما رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولُ الله صلى الله عليه و سلم يَقُولُ حِينَ خَرَجْنَا مَعَهُ إلَى الطّائِفِ فَمَرَرْنَا بِقَبْرٍ: (هَذَا قَبْرُ أبي رِغَالٍ، وَ كَانَ بِهَذَا الْحَرَمِ يُدْفَعُ عَنْهُ، فَلَمّا خَرَجَ أصَابَتْهُ النّقْمَةُ الّتِي أصَابَتْ قَوْمَهُ بِهَذَا المَكَانِ فَدُفِنَ فِيهِ، وَ آيَةُ ذَلِكَ أنّهُ دُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ، إنْ أنْتُمْ نَبَشْتُمْ عَنْهُ أصَبْتُمُوهُ مَعَهُ). فابتدره الناس، فاستخرجوا الغصن.

قلت: هذا الحديث ضعيف. و من أوجَهِ أوجُهِ الاستدلال على جواز نبش القبر لاستخراج متاع نفيس أو مالٍ مقوَّمٍ قياسُ الأولى، حيث يقال: إذا شرع نبش القبر لاستخراج خاتم الحفار و مسحاته و نحوهما؛ فمن بابٍ أولى أن يكون ذلك مشروعاً لاستخراج مالٍ كثير من النقدين و غيرهما سواء كان مما يرجع ملكه للميت في حياته، أو لغيره، و الله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير