تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وحينئذ فينبغي أن يكون المستخير خالي الذهن، غير عازم على أمر معين، لأن قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث " إذا هَّم" يشير إلى أن الاستخارة تكون عند أول مايرد على القلب، فيظهر له ببركة الصلاة والدعاء ماهو الخير، بخلاف ما إذا تمكن الأمر عنده، وقويت عليه عزيمته وإرادته، فإنه يصير إليه ميل وحب، فيخشى أن يخفى عليه الرشاد لغلبة ميله إلى ما عزم عليه (7).

وفي "الاقناع مع شرحه": "ولا يكون -يعني المستخير– وقت الاستخارة عازماً على الأمر الذي يستخير فيه" (8).

6 - قال العلماء: والاستخارة تكون في الأمور التي لايدري العبد وجه الصواب فيها، أما ماهو معروف خيره كالعبادات وصنائع المعروف، أو معروف شره كالمعاصي والمنكرات فإنه لاحاجة إلى الاستخارة فيها، إلا إذا أراد بيان خصوص الوقت كالحج مثلاً في هذه السنة، لاحتمال عدو أو فتنة، والرفقة فيه، أيرافق فلاناً أم لا؟ (9).

قال الشوكاني رحمه الله: " قوله في الأمور كلها" دليل على العموم، وأن المرء لا يحتقر أمراً لصغره وعدم الأهتمام به فيترك الاستخارة فيه، فرب أمر يستخف بأمره فيكون في الإقدام عليه ضرر عظيم أو في تركه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ليسأل أحدكم ربه حتى في شسع نعله" (10).

قال محمود الورّاق:

توكل على الرحمن في كل حاجة

أردت فإن الله يقضي ويقدر

إذا ما يرد ذوالعرش أمراً بعبده

يصبه وما للعبد مايتخير

وقد يهلك الانسان من وجه حذره

وينجو بحمد الله من حيث يحذر (11)

وحينئذ فتشرع الاستخارة لمن أراد خطبة امرأة، أو شراء سيارة، أو شراء بيت، أو الدخول في صفقة تجارية، وما أشبه ذلك.

7 - أن السنة في الاستخارة كونها ركعتين، لقوله " فليركع ركعتين من غير الفريضة "

وحينئذٍ فلا تجزئ الركعة الواحدة.

وأجاز بعض العلماء الزيادة على الركعتين، لحديث أبي أيوب: (صل ماكتب الله لك).

قال ابن حجر:" والظاهر أنه يشترط إذا أراد أن يسلم من كل ركعتين ليحصل مسمى ركعتين، ولا يجزئ لو صلى أربعاً مثلاً بتسليمة، وكلام النووي يشعر بالإجزاء " (12).

قلت: الأفضل والأكمل الاقتصار على ماورد في الحديث وهو صلاة ركعتين فقط، ويكون مقيداً للإطلاق في حديث أبي أيوب رضي الله عنه.

وهل يجزئ لو دعا بدعاء الاستخارة عقب راتبة الظهر مثلاً، أو غيرها من النوافل كتحية المسجد؟

ظاهر كلام النووي رحمه الله الإجزاء (13).

وتعقبه ابن حجر فقال: "كذا أطلق وفيه نظر، ويظهر أن يقال: إن نوى تلك الصلاة بعينها وصلاة الاستخارة مما أجزأ، بخلاف ما إذا لم ينو، ويفارق صلاة تحية المسجد، لأن المراد بها شغل البقعة بالدعاء، والمراد بصلاة الاستخارة أن يقع الدعاء عقبها أو فيها" (14).

وقال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله:" ولا يقال دعاء الاستخارة إذا صلى تحية المسجد أو الراتبة ولم ينوه من قبل، لأن الحديث صريح بطلب صلاة الركعتين من أجل الاستخارة، فإذا صلاهما بغير هذه النية لم يحصل الامتثال، وأما إذا نوى الاستخارة قبل التحية، والراتبة ثم دعا بدعاء الاستخارة فظاهر الحديث أن ذلك يجزئه، لقوله: "فليركع ركعتين من غير الفريضة " فإنه لم يستثن سوى الفريضة، ويحتمل أن لايجزئه، لأن قوله: "إذا هم فليركع" يدل على أنه لا سبب لهاتين الركعتين سوى الاستخارة، والأولى عندي أن يركع ركعتين مستقلتين، لأن هذا الاحتمال قائم، وتخصيص الفريضة بالاستثناء قد يكون المراد به أن يتطوع بركعتين، فكأنه قال: فليتطوع بركعتين، والله أعلم (15).

8 - لم يرد في الحديث تعيين مايقرأ به في هاتين الركعتين. قال الزين العراقي رحمه الله:

"لم أجد في شيء من طرق الحديث مايقرأ في ركعتي الاستخارة".

واستحب النووي رحمه الله أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة (قل يا أيها الكافرون) وفي الثانية (قل هو الله أحد) (16).

قال العراقي:" ماذكره النووي مناسب، لأنهما سورتا الاخلاص فناسب الإيتان بهما في صلاة المراد منها إخلاص الرغبة، وصدق التفويض، وإظهار العجز " (17).

واستحب بعض السلف أن يزيد على القراءة بعد الفاتحة في الركعة الأولى بقوله تعالى:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير