قَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: أَمَّا الْخَلْوَةُ ; فَلِأَنَّ الْخَلْوَةَ بِالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ مَعْصِيَةٌ. وَأَمَّا الِاسْتِخْدَامُ فَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا وَالْوُقُوعُ فِي الْمَعْصِيَةِ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً تَخْدُمُهُ وَهُوَ عَزَبٌ أَيَجُوزُ هَذَا أَمْ لَا؟ قَالَ: سَمِعْت مَالِكًا وَسُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ تُعَادِلُ الرَّجُلَ فِي الْمَحْمَلِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمٌ فَكَرِهَ ذَلِكَ , فَاَلَّذِي يَسْتَأْجِرُ الْمَرْأَةَ تَخْدُمُهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمٌ , وَلَيْسَ لَهُ أَهْلٌ , وَهُوَ يَخْلُو مَعَهَا أَشَدُّ عِنْدِي كَرَاهِيَةً مِنْ الَّذِي تُعَادِلُهُ الْمَرْأَةُ فِي الْمَحْمَلِ.
إخْدَامُ الزَّوْجَةِ:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إخْدَامُ زَوْجَتِهِ الَّتِي لَا يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا بِأَنْ كَانَتْ تَخْدُمُ فِي بَيْتِ أَبِيهَا , أَوْ كَانَتْ مِنْ ذَوِي الْأَقْدَارِ , لِكَوْنِ هَذَا مِنْ حَقِّهَا فِي الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَلِأَنَّ هَذَا مِنْ كِفَايَتِهَا وَمِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الدَّوَامِ فَأَشْبَهَ النَّفَقَةَ. كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِخْدَامَ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ لِلزَّوْجَةِ الْمَرِيضَةِ , وَالْمُصَابَةِ بِعَاهَةٍ لَا تَسْتَطِيعُ مَعَهَا خِدْمَةَ نَفْسِهَا , وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُخْدَمُ مِثْلُهَا ; لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ لَا تَسْتَغْنِي عَنْ الْخِدْمَةِ. وَالْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا يَرَوْنَ وُجُوبَ إخْدَامِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ , لَكِنْ قَالُوا: يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ كَانَ الزَّوْجُ ذَا سَعَةٍ وَهِيَ ذَاتُ قَدْرٍ لَيْسَ شَأْنُهَا الْخِدْمَةَ , أَوْ كَانَ هُوَ ذَا قَدْرٍ تَزْرِي خِدْمَةُ زَوْجَتِهِ بِهِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إذَا امْتَنَعَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ الطَّحْنِ وَالْخَبْزِ , إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَخْدُمُ , أَوْ كَانَ بِهَا عِلَّةٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامٍ مُهَيَّأٍ , وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا وَتَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ , وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ , لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا دِيَانَةً وَلَوْ شَرِيفَةً , لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام {قَسَّمَ الْأَعْمَالَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ , فَجَعَلَ أَعْمَالَ الْخَارِجِ عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه وَالدَّاخِلِ عَلَى فَاطِمَةَ رضي الله عنها} مَعَ أَنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ فَإِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ فَعَلَى الزَّوْجِ نَفَقَتُهُ.
الْخَادِمَةُ الذِّمِّيَّةُ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَرْأَةِ الذِّمِّيَّةِ هَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ خَادِمًا لِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ؟ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَا تُؤْمَنُ عَدَاوَتُهَا الدِّينِيَّةُ ; وَلِأَنَّ نَظَرَ الذِّمِّيَّةِ إلَى الْمُسْلِمَةِ حَرَامٌ , لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} إلَى أَنْ قَالَ: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه: أَنَّهُ مَنَعَ الْكِتَابِيَّاتِ دُخُولَ الْحَمَّامِ مَعَ الْمُسْلِمَاتِ ; لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَحْكِيهَا لِلْكَافِرِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الذِّمِّيَّةَ لَا تَتَعَفَّفُ مِنْ النَّجَاسَةِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ , يُجِيزُ أَنْ تَخْدُمَ الذِّمِّيَّةُ الْمَرْأَةَ الْمُسْلِمَةَ ; لِأَنَّ نَظَرَهَا إلَى الْمُسْلِمَةِ عِنْدَهُمْ جَائِزًا. وَهَذَا فِي الْخِدْمَةِ الْبَاطِنَةِ أَمَّا الظَّاهِرَةُ مِثْلُ قَضَاءِ الْحَوَائِجِ مِنْ السُّوقِ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّاهَا الرِّجَالُ وَغَيْرُهُمْ. وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَيَخْدُمُ الْمَرْأَةَ بِأُنْثَى أَوْ بِذَكَرٍ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الِاسْتِمْتَاعُ: أَنَّهُمْ يُجِيزُونَ إخْدَامَ الْمُسْلِمَةِ بِذِمِّيَّةٍ حَيْثُ أَطْلَقُوا الْأُنْثَى وَلَمْ يُقَيِّدُوهَا بِمُسْلِمَةٍ: وَلَا سِيَّمَا وَأَنَّ نَظَرَ الْكَافِرَةِ إلَى الْمُسْلِمَةِ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ.
انتهى من الموسوعة الفقهية / إصدار وزارة الأوقاف الكويتيه. [
¥