فالشاهد أن النبي أقر أبا بكر على تسميته الجمع بين الغناء المباح والضرب بالدف مزامير الشيطان وأقر إنكاره عليهن في غير يوم العيد لأن العلة في أمرها لأبي بكر بترك الإنكار إنما لأنها أيام عيد فدل ذلك على أن ما يسمى مزامير الشيطان فهو منكر ولا يرخص منه في العيد إلا ما دل عليه الدليل كالدف وينهى عن إستعماله في غير يوم عيد وجائز الإنكار عليه ولا يتم الإنكار إلا على محرم.
رابعاً / لما كان إقتناء الكلب في البيت وإصطحابه مع الرفقة محرم لأنه يطرد الملائكة فينبغي أن يكون الجرس كذلك لأنهما ذكر في نص واحد: [لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس] رواه مسلم. فينبغي أن يكون الحكم واحد.
خامساً / كراهة عائشة له والقرائن تدل على أنها كراهة تحريم ولا مخالف لها من الصحابة رضي الله عنهم كما تقدم.
سادساً / ليس هناك صارف عن تحريم الجرس للذين قالوا بإنه مكروه كراهة تنزيه فيما أعلم.
سابعاً / أن للجرس تابعاً من الجن والظاهر أنه شيطان كما مضى من حديث عائشة عند مسند الإمام أحمد ولعل هذا التابع يسهل غفلة القلوب وإلهاءها عن ذكر الله فكانت عائشة كما في مسند الإمام أحمد تسرع حتى لا تسمع فوجب منع ما كان له صلصله لإلغاء تسهيل الإلهاءالشيطاني
ثامناً / لا فرق على الراجح في التحريم بين الجرس الصغير والكبير القديم والحديث لحاجة أو غير حاجة يعمل آلياً كهربائياً أو بتحريك الدابة ما دام صفة الصلصلة التي تخرج تكون من إصطكاك لسان الجرس بالوعاء أو الناقوس من نحاس كان أو من حديد أو من ذهب أو من فضة فالجمهور على النص وإلغاء العلة والوصف الذي يؤثر في تغير الحكم عادة الظاهرية وهي بدعة في أصول الفقه وقد مضى الكلام على هذا في أول البحث فيدخل في الجرس ولا يحل المحرم جرس المدارس والساعة ولعب الأطفال والهاتف وغير ذلك من الأجراس المعاصرة فالواجب كسرها والتخلص منها فإنها مزامير الشيطان كما أخبر الرسول r المبعوث من الرحمن عز وجل.
قال صاحب عون المعبود في شرح أبي داود: وظاهر اللفظ [يعني في النهي عن الجرس وبيان أنه مزامير الشيطان] العموم فيدخل فيه الجرس الكبير والصغير سواء كان في الأذن أو الرِّجْل أو عنق الحيوان وسواء كان من نحاس أو حديد أو فضة أو ذهب.
قلت: فلا وجه لإخراج جرس المدارس والهاتف وغيره من مخترعات هذا العصر إذا كان على نحو تلك الصفة التي جاءت في مقدمة الكتاب تحت عنوان صفة الجرس المنهي عنه، وذكر هناك قول الحافظ بن حجر في صفته.
بيان أن وصف النبي صلى الله عليه وسلم للوحي بصلصلة الجرس لا يعني الترخيص فيه
روى البخاري في صحيحه (2) عن عائشة أمِّ المؤمنين أنَّ الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله، فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال: رسولُ اللهِ أحياناً يأتيني مثلُ صلصلة الجَرَس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال وأحياناً يتمثل لي الملك رَجُُلاً فيكلمني فأعي ما يقول: قالت عائشةُ، ولقد رأيتُهُ ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً.
فإذا قال قائل ألا يدل وصف النبي إتيان الوحي له بصوت صلصلة على عدم تحريمه إذ لو أنه محرم لما حَسُنَ هذا التشبيه لقلنا له: إنه لا يشترط في لغة العرب تماثل المشبه بالمشبه به من كل وجه فيجوز التشبيه عندهم للتماثل ولو في وجه واحد كما في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عبد الله قال كنا عند النبي r فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) فليس معنى قوله كما ترون القمر ليلة تمامه أي أن الله تبارك وتعالى مثله في الصفة لأنه قد قال عن نفسه: (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) بل أن وجه الشبه هو وضوح الرؤية أي أنكم سترون ربكم بوضوح كما هو الشأن في وضوح رؤية القمر ليلة تمامه.
¥