و قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله [في المغني: 1/ 63]: (فأما الختان فواجب على الرجال و مكرمة في حق النساء، و ليس بواجب عليهن، هذا قول كثير من أهل العلم).
و تتميماً للفائدة أرى من المناسب – و لو أطلت على الأخ السائل قليلاً – لأهمية هذا الموضوع و تكرار طرقه في هذه الأيام أن أسرد على سبيل الإيجاز أدلة أصحاب كل قول مما تقدم ذكره فأقول مستعيناً بمولاي تعالى:
أدلَّة القائلين بوجوب ختان الجنسين:
أوَّلاً: قوله صلى الله عليه و سلم لرجل أسلم: (ألق عنك شعر الكفر و اختتن)، رواه أبو داود و أحمد و إسناده ضعيف.
ثانياً: روى الحاكم [في مستدركه: 2/ 266] بإسناد قال عنه: على شرط الشيخين و لم يخرجاه، و أقرَّه الذهبي، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عزّ و جل: (وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) [البقرة: 124]، قال: (ابتلاه الله بالطهارة؛ خمسٍ في الرأس، و خمسٍ في الجَسَد. في الرأس: قص الشارب، و المضمضة، و الاستنشاق، و السواك، و فرق الرأس. و في الجسد: تقليم الأظافر، و حلق العانة، و الختان، و نتف الإبط، و غسل مكان الغائط، و البول بالماء).
ثالثاً: حديث اختتن إبراهيم بعد ما أتت عليه ثمانون سنة. متفق عليه.
و وجه الدلالة في أثر ابن عباس رضي الله عنهما، و حديث ختان إبراهيم الخليل عليه السلام مترتب على وجوب اتِّباع سنَّة خليل الرحمن، لقوله تعالى: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَ مَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ) [النحل: 123]، و لا شك أن هذا الأمر يتعدى النبي صلى الله عليه و سلَّم إلى أمَّته، إذ لا قرينة على تخصيصه به.
رابعاً: قول النبي صلى الله عليه و سلم: (إذا جلس بين شعبها الأربع – أي أطرافها – و مسَّ الختان الختان فقد وجب الغُسْلُ) رواه الشيخان و غيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، و روى مالك في الموطأ نحوه بإسنادٍ صحيح عن عائشة رضي الله عنها.
و وجه دلالة هذا الحديث على المراد هو ذكر الختانين؛ أي ختان الزوج و ختان الزوجة؛ فدل بذلك على أن المرأة تختن كما يختن الرجل.
قلت: و لا يمنع من الاستدلال بهذا الحديث كون التقاء الختانين ليس شرطاً لتمام الجماع، بل قد لا يقع أصلاً، لأن المقصود هو مجاوزة ختان الرجل ختان المرأة أو محاذاته في موضع الحرث – كما هو مبسوط في أبواب الطهارة من كتب الفقه - لأن الاستدلال قائم بمجرد ذكر ختان المرأة في مقابل ختان الرجل فلزم منه أن يكونا في الحكم سواء.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: (قال العلماء: معناه غيبت ذكرك في فرجها، و ليس المراد حقيقة المس، و ذلك أن ختان المرأة أعلى الفرج، و لا يمسه الذكر في الجماع، و المراد بالمماسة: المحاذاة).
خامساً: تشديد السلف الصالح رضوان الله عليهم في الختان، و ما كان لهم أن يفتئتوا على الشريعة، أو يقولوا على الله بغير علم، فلو لم يكن واجباً لما كان ثمة معنى لما روى الإمام أحمد من تشديد ابن عباس في أمر الختان أنه لا حج لمن لم يختتن و لا صلاة [انظر: المغني، لابن قدامة: 1/ 63]، و نحوه ما رواه البيهقي [في السنن الكبرى: 8/ 325] عنه رضي الله عنه، أنه قال: (لا تقبل صلاة رجل لم يختتن)، قال البيهقي: و هذا يدل على أنه كان يوجبه، و أن قوله: (الختان سنة) أراد به سنة النبي صلى الله عليه و سلم الموجَبَة).
و قال الإمام مالك رحمه الله: (من لم يختتن لم تجز إمامته، و لم تقبل شهادته) [ذكره الشوكاني، في نيل الأوطار: 1/ 139].
و قال عطاء [كما في فتح الباري 10/ 340 عنه]: (لو أسلم الكبير لم يتم إسلامه حتى يختن).
قالوا: فلو لم يكن الختان واجباً، لما كان لهذا التشديد على من تركه وجه، و إذا ثبت وجوبه فلا بد من دليل لصرف الوجوب إلى الذكر دون الأنثى، و ليس ثمة دليل على ذلك.
أما من قال بسنِّية الختان في حقِّ الجنسين و لم يوجبه على أحدهما فلم ير في النصوص التي استدل بها موجبوه أمراً صريحاً يوجب الختان على ذكرٍ أو أنثى، و ردوا على المخالف بمثل قولهم:
¥