أولاً: لا يصح الاستدلال على وجوب الختان بكونه من خصال الفطرة، لأن في خصالها ما لا يجب على عموم المسلمين، و فيها ما يفرق فيه بين الذكر و الأنثى كقص الشارب، و هذا صارف عن القول بوجوب الختان.
ثانياً: لو كان الختان واجباً لما تساهل فيه من تساهل، و لوجب إلزام حديث العهد بالإسلام به، من غير تخيير، مع أن الحديث الوارد في ذلك ضعيف مرسل، و هذا ما لم يقع، و لا يستقيم وقوعه.
قال الموفق ابن قدامة [في المغني: 1/ 63]: (و الحسن يرخص فيه - أي في ترك الختان - يقول: إذا أسلم لا يبالي أن لا يختتن، و يقول: أسلم الناس الأسودُ و الأبيضُ؛ لم يُفَتَّش أحدٌ منهم، و لم يَخْتَتِنوا).
و قال ابن المنذر [كما نقل عنه الشوكاني، في نيل الأوطار: 1/ 138]: (لَيْسَ فِي الْخِتَانِ خَبَرٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ، وَ لا سَنَدٌ يُتَّبَعُ) و نقل عنه نحو ذلك الحافظ في الفتح.
فهذا التساهل في أمر الختان لو كان واجباً لما كان متصوراً من أئمة أعلام أن يتساهلوا في أمره على هذا النحو.
قلتُ: و لما كان بعيداً عن ابن المنذر رحمه الله أن تفوته أخبار الختان مع أن منها ما رواه الشيخان و غيرهما، و اشتهر عند الفقهاء و سائر العلماء، تعيَّن أن يُحمَل كلامه هذا على أخبار ختان الإناث، و الله أعلم.
و عليه فإن الأمر لا يعدو أن يكون سنة، و خصلة من خصال الفطرة يندب المسلم إلى فعلها ذكراً كان أم أنثى، من غير نكير على من تركه، إلا أن يكون من باب النهي عن ترك السنن، أو الاستهانة بها، أو إنكارها، أو ردهها، فالأمر حينئذ أمر بلزوم السنة، و ليس بالاختتان خاصة.
أما من فرَّق في الحكم بين الذكور و الإناث، فجعله واجباً على الذكور، مستحباً للنساء فقد قيَّد كل ما ساقه موجبو الختان على الجنسين بكونه في حق الذكر دون الأنثى، و استدل على التقييد بأمور منها:
أوَّلاً: أن ختان النساء كان معروفاً قبل الإسلام، و بلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم، فأقرَّه، و أرشد الخافضة إلى ما ينبغي أن تراعيه في عمَلها، و هذا يجعله – على أقل تقدير – من قبيل السنَّة التقريرية، و كفى به دليلاً على الاستحباب.
روى أبو داود في كتاب الأدب من سننه بإسناد فيه محمد بن حسان الكوفي، و هو ضعيف الحديث، عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها أن امرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم: (لا تنهكي! فإنه أحظى للمرأة، و أحب إلى البعل).
و للحديث طريق أخرى أوردها الشيخ الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الصحيحة [921] و حكم عليها بالصحة ثمَّ.
و إذ صح هذا الحديث فإن في إقرار النبي صلى الله عليه و سلم للخافضة على فعلها، و توجيهها إلى ما يصلح لبنات جنسها من صفة الخفاض يدل على استحبابه.
و قد أبعدَ الشقَّةَ من فرَّق في حكم الختان بين الذكر و الأنثى إذ استدل بحدث: (الختان سنة للرجال مكرمة للنساء) الذي رواه أحمد و الطبراني، و في ضعفه ما يسقط الاحتجاج به، و يكفي مؤونة الرد على مورده في معرض الاستدلال.
الترجيح:
بعد النظر في أقوال أهل العلم الثلاثة المتقدمة، و أدلة كل قول منها، يظهر – و الله أعلم – أن نصوص الشريعة تحث على الختان باعتبارات منها كونه من سنن النبيين، و من خصال الفطرة، غير أن هذا لا يرقى إلى حد الإيجاب، إذ إن الإيجاب حكم تكليفي لا بد له من نص صريح يحسم مادة الخلاف، بل الراجح هو الثابت، و ليس فيما ثبت ما يدل على أكثر من كون الختان سنة، و هذا ما يترجح لنا، و الله أعلم.
أما عن التفريق في الحكم بين الذكر و الأنثى فيفتقر إلى دليل، إذ إنه من قبيل تقييد المطلق، و هو حق للشارع الحكيم و حسب.
و عليه فلا أرى وجهاً لمن فرَّق في حكم الختام بين الجنسين، بل يظل الحكم سنة في حقهما، و الله أعلم.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله: (و الحق أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب، و المتيقن السنّة، و الواجب الوقوف على المتيقن إلى أن يقوم ما يوجب الانتقال عنه) [نيل الأوطار للشوكاني: 1/ 139 و ما بعدها].
هذا، و الله أعلم، و أحكم، و صلى الله و سلم و بارك على نبيه محمد و آله و صحبه و سلم.
وكتب
د. أحمد بن عبد الكريم نجيب
http://saaid.net/Doat/Najeeb
[email protected]
ـ[أبو المنهال الأبيضي]ــــــــ[24 - 04 - 04, 07:54 ص]ـ
الرواية الراجحة عن الحنابلة القول بوجبه في حق الرجال، سنة في حق النساء؛
فقد قال ابن قدامة في (المغني) جـ 1 / ص 98: " فأما الختان فواجب على الرجال ومكرمة في حق النساء، وليس بواجب عليهن، هذا قول كثير من أهل العلم.
قال أحمد: الرجل أشد؛ وذلك أن الرجل إذا لم يختتن فتلك الجلدة مدلاة على الكمرة، فلا ينقى ما ثَّم، والمرأة أهون ". أهـ.
قلت: وما نقله عن أحمد أخرجه الخلال في (الترجل) رقم 119 بسند صحيح.
وسُئل أحمد عن المرأة تدخل على زوجها ولم تختتن، قال: " الختان سنة ...... ".
ذكره شيخنا محمد بن إسماعيل في (حاشيته على منار السبيل) الملزمة الرابعة ص 125.
وأما قول الأخ: " وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية [في مجموع الفتاوى: 21/ 114]، و تلميذه ابن قيم الجوزية ".
ففيه نظر:
أولاً: ابن القيم قد ذكر حجج من قال بوجوبه، ومن قال باستحبابه في (تحفة المودود) ص 172 – 186، ولم يرجح شيئاً.
ولذلك قال الشيخ ابن عثيمين في (الشرح الممتع) جـ 1 / ص 132: " وكأنه – والله أعلم – لم يترجح عنده شيء ".
ثانياً: قول شيخ الإسلام ابن تيمية في المصدر الذي عزى عليه الأخ، ليس فيه دليل على أنه يرى بوجوبه؛
فقد سُئل عن المرأة هل تختتن أم لا؟
فأجاب: نعم تختتن ....... .
¥