وأما الذهبي فله تساهل كبير في تلخيص المستدرك على وجه الخصوص، وإذا قارنت بين موافقاته للحاكم مع ما يقرره كثيرا في ميزان الاعتدال وجدت بونا شاسعا.
والخلاصة: أن الحافظين " الذهبي والعسقلاني " ألفا كتابيهما في بيان القواعد النظرية وحررا كثيرا من المسائل الدقيقة غير أن لهما تساهلا في التطبيق، فهذا هو الفرق بين الثناء على كتابيهما وبين منازعتهما في التحسين والتصحيح والله أعلم.
أخوك / أبو عبد الباري
ـ[واحد من المسلمين]ــــــــ[07 - 03 - 05, 02:19 م]ـ
في معرض رده على من قال بوجوب تغطية الوجه و الكفين، قال الشيخ الألباني رحمه الله:
ومن ذلك أن المومئ إليه انتقد صاحبنا علي الحلبي لأنه استشهد في تقوية حديث عائشة بقول الحافظ في "التلخيص": وله شاهد أخرجه البيهقي…" وذكر إسناده بحديث أسماء وسقوط الحافظ عليه، فقال صاحبنا عقبه (39):
" كأنه يحسنه به، كما هو معروف من منهجه رحمه الله تعالى، إذ لا يورد شاهداً إلا لما ينجبِرُ عنده، و إلا فماذا يفيده الشاهد إذا كان غير نافعه؟! ".
فانتقده المومى إليه بما خلاصته (ص16): أن المحدثِّين الأقدمين منهم والمعاصرين ما زالوا يذكرون الحديث الضعيف أو الموضوع، ويوردون شواهده التي لا تزيده إلا وهناً على وهن، ولم يقل أحد: إنهم بذلك يحسِّنون الحديث! ثم ذكر ستة أمثلة على ذلك: أحدهما من" اللآلي " للسيوطي، والأخرى من كتابيَّ " الضعيفة" و" الإرواء"! ثم أجاب عن سؤال طرحه هو، خلاصته: أن إيراد المحدِّثين للطرق الضعيفة إنما هو من اجل التنبيه على ضعفها!
قلت: وهذا انتقاد باطل يدل على جهل بالغ بهذا العلم الشريف وأصوله، فإن تقوية الحديث بكثرة الطرق- بشرط أن لا يشتد ضعفها- أمر معروف وسبيل مطروق عند علماء الحديث، لا حاجة للاستدلال له، وهو الحديث الحسن لغيره الذي يكثر الترمذي من ذكره في " سننه"، وتحدث عنه في "العلل" الذي في آخره (10/ 457)، وكتبي طافحة بهذا النوع من الحديث والتذكير به، ولا سيّما " الصحيحة" منها، وكذلك النقل عن كتب التراجم، وتفريقهم بين الراوي الضعيف، والأمثلة التي ذكرها تختلف كل الاختلاف من ناحيتين:
إحداهما: أنها- أعني: الأمثلة- شديدة الضعف، فلا تصلح للشهادة.
والأخرى: أن الذين أوردوها أتبعوها ببيان شدة ضعفها، فأين هذا من صنيع الحافظ رحمه الله تعالى الذي رده المومى إليه؟! فأن الحافظ لم يتبيّن ضعفه، ولو فعل لم يصح تشبيهه بتلك الأمثلة لأنه ليس شديد الضعف. وأما جوابه المذكور، فهو مما يؤكد جهله بهذا العلم لأنه لم يبين سبب التنبيه على الضعف يسيراً، وتعددت طرقه، تقوى الحديث، ووجب العمل به، كحديثنا هذا، وإلا كان غريباً لم يجر العمل به، بل ولا روايته إلا ببيان ضعفه، وهذا ما أخل به جماهير المؤلفين، فأنهم يتساهلون برواية الأحاديث الضعيفة دون بيان ضعفها، كما فعل التويجري في الأمثلة العشرة المتقدمة، وتجاهل هو وغيره هذا الحديث بطرقه، من جهة أخرى، والسندي والعدوي وغيرهما يعرفون هذا جيداً، ولذلك زعموا شدة ضعف طرقه، وقلدهم في ذلك المومى إليه- كما تقدم –دون أن يتنبه إلى ما يرميان إليه من الزعم المذكور!
ثم استدركت فقلت: بلى إنه قد تنبه لذلك، وتابعهم عليه قصداً فإنه لما تكلم على إسناد حديث قتادة المرسل قال (ص23):
" الحق أن الإسناد إلى قتادة صحيح نظيف جداً، وصواب أن المرسل إذا اعتضد بسند ضعيف، فإنه يصير صحيحاً محتجاً به، هذا حق لا جدال فيه، ولكن فات أولئك الذين يعتمدون هذا الكلام أن مراسيل قتادة ضعيفة لا تقوم بها حجة أبداً"!
ثم سود أكثر من صفحة بالنقل عن بعض اللائمة أنه لا يحتج بمرسل قتادة، وأنه بمنزلة الريح.
فأقول – والله المستعان على نابتة هذا الزمان-:
عدم الاحتجاج بمرسل قتادة ليس موضع خلاف، وإنما هو: هل يتقوى بالمسند الضعيف أم لا؟ هذا هو الموضوع، فنحن نرى تبعاً للبيهقي وغيره أن يتقوى، وهو صحيح قول المومى إليه:" وصواب…" إلخ، ولكنه حداثته لم يثبت عليه، فنقده بقوله:" ولكن فات أولئك .. "! ولذلك رد بقلة أدب وجهل بالغ على البيهقي تقويته لمرسل خالد بن دريك الذي كنت نفلته عنه في "الكتاب" (ص59)، فقال هذا الحدَث (ص25):
" فليس قوياً، لأن المرسل ضعيف…".
فأقول: لم يفتنا –والحمد لله- ما زعمت، فإننا لم نحتج بمرسل قتادة، وإنما انضم إليه من الشواهد، كما كنا ذكرنا في "الجلباب" (ص58 - 59)، وإنما أنت الذي فاتك" صوابك" الذي قوَّى مرسل خالد بن دريك بقول الصحابة- يعني: ابن عباس وابن عمر وأبا هريرة وغيرهم، كما تقدم (ص34 و 49 - 51) و (ص59) من " الجلباب" –فلم ترفع إلى ذلك رأساً، واستكبرت وقلت دون أدنى خجل:" هو معارض بقول من مضى الصحابة أيضاً؟،وقد سلف قول ابن مسعود رضي الله عنه"!
فأقول: هذه المعارضة تدلنا على أنك متطفِّل في هذا العلم، وأنك تهرف بما لا تعرف، فمن هم الصحابة الذين تعارض بقولهم قول الصحابة الذين أشار إليهم البيهقي؟! إنهم لا وجود لهم إلا في مخيِّلتك! فالمعارضة باطلة.
وأما قول ابن مسعود فقد سبق الجواب عنه في " الكتاب" (ص52 - 56)، ثم هو فرد خالفه جماعة، فإن صحَّحت المعارضة به فلا بد من مرجّح، وهو الحديث الذي عمل به مخالفوه، فبه يترجَّح قولهم على قول ابن مسعود، وتسقط المعارضة به، ويسلم قول البيهقي ومن تابعه، وهم جمهور الصحابة والأئمة، كما تقدم بيانه لا تجده في مكان آخر. أ. هـ
¥