تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذا المثل الأعلى هو الذي آمن به المؤمنون، وأنس بها لعارفون، وقامت شواهده في قلوبهم بالتعريفات الفطرية، المكملة بالكتب الإلهية، المقبولة بالبراهين العقلية. فاتفق على الشهادة بثبوته: العقل، والسمع، والفطرة.

فإذا قال المثبت: يا الله؛ قام بقلبه ربَّاً قيوماً، قائماً بنفسه، مستوياً على عرشه، مُكَلِّمَاً مُتَكَلِّمَاً سَامِعَاً رَآئِيَاً قديراً مريداً فعَّالاً لما يشاء، يسمع دعاء الدَّاعين، ويقضي حوائج السَّائلين، ويفرِّجُ عن المكروبين، ترضيه الطاعات، وتغضبه المعاصي، تعرج الملائكة بالأمر إليه، وتنزل بالأمر من عنده، وإذا شئت زيادة تعريف بهذا المثل الأعلى، فقدِّر قوى جميع المخلوقات اجتمعت لواحدٍ منهم، ثم كان جميعهم على قوة ذلك الواحد، فإذا نسبت قوَّته إلى قوَّة الرب تبارك وتعالى لم تجد لها نسبةً وإيَّاها ألبتة، كما لا تجد نسبة بين قوَّة البعوضة وقوَّة الأسد، فإذا قدَّرت علوم الخلائق اجتمعت لرجلٍ واحدٍ، ثم قدَّرت جميعهم بهذه المثابة كانت علومهم بالنسبة إلى علمه تعالى كنقرة عصفورٍ من بحر، وإذا قدَّرت حكمة جميع المخلوقين على هذا التقدير لم يكن لها نسبة إلى حكمته، وكذلك إذا قدَّرت كل جمالٍ في الوجود اجتمع لشخصٍ واحدٍ، ثم كان الخلق كلهم بذلك الجمال كان نسبته إلى جمال الرب تعالى وجلاله دون نسبة السِّراج الضَّعيف إلى جرم الشَّمس.

وقد نبَّهنا الله سبحانه على هذا المعنى بقوله ((وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) (لقمان:27)، فقدِّر البحر المحيط بالعالم مداداً، ووراءه سَبْعَةُ أَبْحُرٍ تحيط به كلها مداد، تكتب به كلماتُ الله؛ نفدت البحارُ، وفنيت الأقلامُ التي لو قدَّرت جميع أشجار الأرض من حين خلقت إلى آخر الدنيا، ولم تنفد كلماتُ الله. وقد أخبر النَّبىُّ ((إن السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ فِى الْكُرْسِيِّ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلاةٍ، وَالْكُرْسِيُّ فِى الْعَرْشِ كَحَلْقَةٍ فِى أَرْضِ فَلاةٍ، وَالْعَرْشُ لا يُقَدِّرُ قَدْرَهُ إِلا اللهُ)). وهو سبحانه فوق عرشه، يعلم ويرى ما عباده عليه.

فهذا هو الذى قام بقلوب المؤمنين المصدِّقين العارفين به سبحانه المثل الأعلى، فعرفوه به، وعبدوه به، وسألوه به، فأحبُّوه وخافوه ورجوه، وتوكلوا عليه وأنابوا إليه، واطمأنوا بذكره، وأنسوا بحبه بواسطة هذا التعريف، وسائر ما وصف به نفسه من صفات كماله، إذ قد أحاط علمهم بأنَّه لا نظير لذلك ولا مثيل له، ولم يخطر بقلوبهم مماثلة شىءٍ من المخلوقين.

وقد أعلمهم الله سبحانه على لسان رسوله ((أنَّه يَقْبِضُ سَمَوَاتِهِ بِيَدِهِ، وَالأَرْضَ بِالْيَدِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ)) و ((وَأَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالأَرَضِينَ السَّبْعَ فِى كِفَّةٍ كَخَرْدَلَةِ فِى كَف أَحَدِكُمْ)) و ((أنَّه يَضَعُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ)). فأىُّ يدٍ للخلق وأىُّ إصبع تشبه هذه اليد، وهذه الإصبع، حتى يكون إثباتها تشبيهاً وتمثيلاً!.

فقاتل اللهُ أصحاب التحريف، والتأويل، والتخييل، والتشبيه، والتمثيل: ماذا حرموه من الحقائق الإيمانية والمعارف الإلهية، وماذا تعوضوا به من زبالة الأذهان ونخالة الأفكار؟!. وقد جرت عادة الله سبحانه أن يذل من آثر الأدنى على الأعلى، ويجعله عبره للعقلاء. فأول هذا الصنف إبليس لعنه الله. ترك السجود لآدم كبراً، فابتلاه الله تعالى بالقياده لفسَّاق ذريته. وعبَّاد الأصنام لم يقرُّوا بنبىٍّ من البشر، ورضوا بآلهةٍ من الحجر. والجهمية نزَّهوا الله عن عرشه لئلا يحويه مكانٌ، ثم قالوا: هو فى الآبار، والأنجاس، وفى كل مكان. وهكذا طوائف الباطل. لم يرضوا بنصوص الوحى فابتلوا بزبالة أذهان المتحيرين، وورثة الصابئين، وأفراخ الفلاسفة الملحدين، وَمَنْ يُضْلِلْ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلَياً مُرْشِدَاً)) اهـ.

ـ[مصطفي سعد]ــــــــ[18 - 09 - 06, 11:55 م]ـ

جزاكم الله خيرا وبارك لكم فى اعماركم واوقاتكم

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير