ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/ 149) قال: أخبرنا عبدالوهاب بن عطاء ,عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قال وأخبرنا عمر بن عاصم الكلابي, أخبرنا أبو هلال, عن قتادة قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر نحوه (كنت أول الناس) هكذا مرسلاً، وكذلك ابن أبي شيبة روى نحوه (بدء بي في الخير وكنت آخرهم في البعث) مرسلاً عن قتادة (المصنف 6/ 322).
وهكذا رواه أبو نعيم في الدلائل ص6 مرسل عن قتادة وانظر البداية والنهاية 2/ 298.
أما الموقوف على قتادة فقد رواه ابن جرير في تفسير الآية 21/ 126:
فقال: حدثنا محمد بن بشار، قال ثنا سليمان، قال ثنا أبوهلال، قال: كان قتادة ... وهذا إسناد جيد كالمرسل ولاتعارض بينهما، فقد كان قتادة رحمه الله من أئمة التفسير، فربما فسر الآية مراراً لمن حضره، وربما أرسل أحياناً.
ورواه غيرهم، وكلهم من إحدى الطريقين السابقين.
وبهذا يتبين أن موضع الشاهد جاء مرفوعاً من طريقين:
الأول طريق أبي جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في زياداته على حديث الإسراء الطويل، وقد روى أبو جعفر الرازي عن الربيع مناكير، قال في مشاهير علماء الأمصار (1/ 126): "الربيع بن أنس بن زياد البكري سكن مرو، سمع أنس بن مالك، وكان راوية لأبى العالية، وكل ما في أخباره من المناكير إنما هي من جهة أبى جعفر الرازي".
قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (3/ 207): "ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: الناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر عنه، لأن في أحاديثه عنه اضطراباً كثيراً" وكلام ابن حبان –الذي أشار إليه الحافظ- في الثقات (4/ 228).
أما أبوجعفر وهو عيسى بن ماهان الرازي، فقد اختلف كلام أئمة الشأن فيه، بين مصحح ومضعف، والذي يظهر –والله أعلم- أن أحسن أحواله أن يكون كما قال الحافظ ابن حجر وهو أنه: "صدوق سيء الحفظ" (التقريب 629)، هذا في الجملة، ولكنه ضعيف في من أثرت له مناكير عنهم كأبي العالية، وقد قال ابن حبان: "كان ممن يتفرد بالمناكير عن المشاهير" (السير 7/ 348).
وهذا الحديث لم يروه عن الربيع بن أنس غيره، فلا يقبل تفرده به، فلربما أخطأ سيء الحفظ فأدخل طرفاً من حديث رجل في حديث آخر، فلهذا لايقبل تفرده، بل لابد أن يروي الأثر عن من رواه عنه آخر أقل أحواله أنه يكتب عنه، كيف وقد نص الحفاظ بأن كل رواية لأبي العالية منكرة فإنها من طريقه! ومن هنا يتبين وجه قول ابن كثير عن الأثر: "وفيه غرابة".
أما الطريق الأخرى المرفوعة فهي في معرض تفسير الآية: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم .. ) الآية، وهي أيضاً ضعيفة كما ذكر الحافظ ابن كثير، ولا تصلح شاهداً للأخرى، فهي من رواية خليد بن دعلج، وسعيد بن بشير عن قتادة، عن الحسن، عن أبي هريرة، وهي طريق مليئة بالعلل القادحة، وإليك بعضها:
خليد بن دعلج ضعيف، ولاسيما إذا حدث عن قتادة فقد أثرت عنه مناكير (انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/ 384)، وقد ضعفه أحمد ويحيى بن معين, وقال الدارقطني متروك، وقال ابن حبان كثير الخطأ، ورجح ابن حجر ضعفه, وكذلك الذهبي وغيرهم فمثله لايتابع على حديثه.
أما سعيد بن بشير, فالقول ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر. قال في التقريب 234: "لعل الأرجح فيه أنه ضعيف في روايته عن قتادة, ليس بالقوي، يكتب حديثه عن غيره" وقد قال ابن نمير (الجرح والتعديل 4/ 6): "سعيد بن بشير منكر الحديث، وليس بشيء، ليس بقوي الحديث، يروى عن قتادة المنكرات"، وبهذا علم ضعف الأثر المرفوع من طريق قتادة، فسعيد ليس بشيء فيه، فلا ينجبر برواية غيره عنه، فكيف إذا كان الراوي الآخر عنه منكر حديثه عنه مع ضعفه.
ومن العلل في هذه الطريق أيضاً مخالفة خليد وسعيد لمن رووا هذا الأثر عن قتادة ممن هم أوثق منهما، كأبي هلال وسعيد بن أبي عروبة، فخالف هؤلاء الثقات فرفعوه وبهذا تتحقق نكارة ماذكرا.
ومن علل هذا الحديث -التي يضعف بها ولو صح عن قتادة، وهو بعيد عند أهل الصناعة- أنه من رواية الحسن عن أبي هريرة، وقد نص الحفاظ على أنه لم يسمع منه (انظر سير أعلام النبلاء 4/ 566)، قال أبو زرعة الرازي -كما في المراسيل ص36: "لم يسمع الحسن من أبي هريرة ولم يره. فقيل له: فمن قال حدثنا أبو هريرة؟ قال: يخطىء.
¥