تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كذا قال، وقضية الكلام اتفاق أهل السنة والحديث على كفر الساحر، و ليس كذلك وإن كان أكثر العلماء على كفر الساحر كما قال ابن تيمية في الفتاوى (29/ 384)، لكنه ليس موضع اتفاق على هذا الاطلاق، فقد ذهب الشافعي في آخرين: أن الساحر لا يقتل ما لم يكن سحره عند الوصف شركا، حكاه البيهقي في معرفة السنن والآثار (6/ 276): قال الشافعي في الكتاب بعد ما بسط الكلام في أنواع السحر وأمر عمر أن يقتل السحار - والله أعلم -: إن كان السحر كما وصفنا شركا اهـ.

ونقله غير واحد من الحنابلة رواية عن الإمام أحمد في أنه لا يقتل الساحر المسلم، وهو قول ابن المنذر كما في المغني لابن قدامة (10/ 115 مع الشرح الكبير)، وقد قيل إن عدم تكفير الساحر المترتب على عدم قتله مذهب عثمان وعائشة كما حكاه ابن حزم بأسانيده في المحلى (11/ 395 - 398) والبيهقي في بعض ذلك في المعرفة (6/ 276)، ولعله لهذه النكتة لم يذكر الأشعري كفر الساحر في الإبانة وهو متأخر عن المقالات والله أعلم.

وهناك أمثلة أخرى غير ما ذكرت لا نطيل بها المقام، والخلاصة: أن الأشعري لا يلتزم في نقله لمذاهب أهل السنة اتفاقهم على ما ذكره عنهم، فلا يدل على إجماعهم على الامتحان.

رابعا: مناقشة القول بالتوقف وعدم الحكم لهم بشيء.

هذا القول نقل عن غير واحد من أهل العلم، و في معناه أو المراد منه أقوال كما تقدم، وعليه:

فإن قيل: المراد منه الامتحان يوم القيامة، وترك أمرهم لما يظهر منهم من طاعة أو عصيان فقد تقدمت مناقشته قريبا.

وإن قيل: المراد منه أنه يجوز أن يدخل جميعهم الجنة، ويجوز أن يدخل جميعهم النار، كما هو قول طائفة من المنتسبين إلى السنة من أهل الكلام وغيرهم من أصحاب أبي الحسن الأشعري وغيرهم.

أو قيل المراد منه: أنه لا يعلم حكمهم، فلا يتكلم فيهم بشيء، كما هو أيضا قول طائفة أخرى من المنتسبين إلى السنة.

فمنقوض من وجوه:

الوجه الأول: أن هذه الأحاديث لا تدل على الوقف والنبي صلى الله عليه وسلم لم يجب بالوقف، وإنما وكل علم ما كانوا يعملون لو عاشوا إلى الله، والمعنى: الله أعلم بما كانوا يعملون لو عاشوا، قاله ابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/ 82) وزاد: فهو سبحانه يعلم القابل منهم للهدى العامل به لو عاش، والقابل منهم للكفر المؤثر له لو عاش، ولكن لا يدل هذا على أنه سبحانه يجزيهم بمجرد علمه فيهم بلا عمل يعملونه، وإنما يدل هذا على أنه يعلم من يؤمن منهم ومن يكفر بتقدير الحياة، وأما المجازاة على العلم فلم يتضمنها جوابه صلى الله عليه وسلم اهـ ونحوه في طريق الهجرتين (ص 635).

وقال ابن حزم في الفصل (2/ 385) بعد كلام: فصح أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الله أعلم بما كانوا عاملين" ليس فيه أنهم كفار، ولا أنهم في النار، ولا أنهم مؤاخذون بما لو عاشوا لكانوا عاملين به مما لم يعملوه بعد، قال: وفي هذا اختلفنا لا فيما عداه، وإنما فيه أن الله تعالى يعلم ما لم يكن وما لا يكون لو كان كيف يكون فقط، وهذا حق لا يشك فيه مسلم، فبطل أن يكون لأهل التوقف حجة في شيء من هذين الخبرين إذ صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة بيان اهـ. يؤيده الوجه الثاني:

الوجه الثاني: أنه جاء في بعض الطرق لحديث ابن عباس ما يكشف لك المعنى الذي قلناه، وهو ما رواه الاسفرائيني عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم ... فنهى عن قتل الأطفال وقال " الله أعلم بما كانوا عاملين"، فقوله هذا عقيب نهيه عن قتلهم يوضح المعنى ويبين أن الله سبحانه يعلم لو أدركوا ما كانوا يعملون وأنتم لا تعلمون ذلك فلعل أحدهم إذا أدرك يعمل بطاعة الله ويكون مسلما (ذكر ذلك ابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/ 83) والحديث هنا تقدم في الحلقة الأولى عند تفسير اللاهين فراجعه).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير