والترجيح هو ما ذكره الترمذي عن البخاري، قال الترمذي: وسمعت محمداً [يعني: البخاري] يقول: الصحيح حديث قيس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مرسل انتهى
وقال الشوكاني في (نيل الأوطار) بعد أن ذكر الحديث: وَرِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ، وَلَكِنْ صَحَّحَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ إرْسَالَهُ إلَى قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ اهـ
أقول: وهذا توجيه كون الحديث المرسل أصح والله أعلم:
1/ أما رواية حفص بن غياث التي جعل فيها الصحابي (خالد بن الوليد) فهي وهم من حفص والله أعلم، وحفص قال فيه يعقوب بن شيبة: ثبت إذا حدّث من كتابه ويُتقى بعض حفظه انتهى قلت: فكأنه روى هذا الحديث من حفظه فأخطأ فيه بذكر خالد بن الوليد والله أعلم.
2/ وأما رواية أبي معاوية الضرير التي جعل فيها الصحابي: (جرير بن عبد الله) فهي وهم من أبي معاوية والله أعلم، وأبو معاوية قال فيه الإمام أحمد بن حنبل: أبو معاوية الضرير في غير حديث الأعمش مضطرب لا يحفظها حفظاً جيداً انتهى قلت: وهذا الحديث ليس من حديث الأعمش.
3/ وأما رواية حجاج بن أرطاة التي جعل فيها الصحابي: (جرير بن عبد الله) فهي غير محفوظة: فحجاج مدلس وقد قال: (عن إسماعيل)، وقال الترمذي في (العلل الكبير): سألت محمداً [يعني: البخاري] عن هذا الحديث فقال: الصحيح عن قيس بن أبي حازم مرسل، قلت له: فإن حماد بن سلمة روى هذا الحديث عن الحجاج بن أرطاة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير، فلم يعده محفوظاً انتهى
4/ وأما رواية صالح بن عمر التي جعل فيها الصحابي: (جرير بن عبد الله) فهي ضعيفة، قال الألباني في "الإرواء": لكن الراوي عنه إبراهيم بن محمد بن ميمون شيعي ليس بثقة انتهى
بذلك لم يبق إلا الرواية المرسلة التي رواها الجمهور عن إسماعيل بن أبي خالد.
أما كون الحديث المرسل يُعمل به أو لا، فهذا فيه خلاف قديم عند العلماء ولكن استقر العمل على تضعيف الحديث المرسل. قلت: لكن التابعي قيس بن أبي حازم من المخضرمين، قال فيه المزي: أدرك الجاهلية و هاجر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ليبايعه، فقبض وهو في الطريق انتهى
هذا ما عندي بالنسبة لهذا الحديث من الجهة الحديثية
يتبع ...
ـ[طارق بن محمد]ــــــــ[19 - 01 - 06, 06:19 م]ـ
أما أصل المسألة من الجهة الفقهية، فمسألة الهجرة من ديار الكفر إلى بلاد المسلمين مسألة معروفة في كتب الفقه وهذا مختصر للكلام فيها اختصرته من كتاب "المغني" لابن قدامة المقدسي:
قال ابن قدامة رحمه الله: فَالنَّاسُ فِي الْهِجْرَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
1/ أَحَدُهَا: مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا وَلَا يُمْكِنُهُ إظْهَارُ دِينِهِ وَلَا تُمْكِنُهُ إقَامَةُ وَاجِبَاتِ دِينِهِ مَعَ الْمُقَامِ بَيْنَ الْكُفَّارِ، فَهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: (إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا). وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ ...
2/ الثَّانِي: مَنْ لَا هِجْرَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْ يَعْجِزُ عَنْهَا إمَّا لِمَرَضٍ أَوْ إكْرَاهٍ عَلَى الْإِقَامَةِ أَوْ ضَعْفٍ مِنْ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ وَشِبْهِهِمْ، فَهَذَا لَا هِجْرَةَ عَلَيْهِ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: (إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا). وَلَا تُوصَفُ بِاسْتِحْبَابٍ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهَا
3/ وَالثَّالِثُ: مَنْ تُسْتَحَبُّ لَهُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا لَكِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إظْهَارِ دِينِهِ وَإِقَامَتِهِ فِي دَارِ الْكُفْرِ، فَتُسْتَحَبُّ لَهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ جِهَادِهِمْ وَتَكْثِيرِ الْمُسْلِمِينَ وَمَعُونَتِهِمْ وَيَتَخَلَّصَ مِنْ تَكْثِيرِ الْكُفَّارِ وَمُخَالَطَتِهِمْ وَرُؤْيَةِ الْمُنْكَرِ بَيْنَهُمْ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ وَاجِبِ دِينِهِ بِدُونِ الْهِجْرَةِ انتهى النقل باختصار من المغني وبه ينتهي ما اردت كتبته في الموضوع.
وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه