تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا يخفى على أهل الحديث الأماجد أن المقصود بما يأتي ليس دعوة لإتباع المذهب المالكي خاصة ولا غيره، إذ قد طرح أهل الحديث مسألة العصبية المذهبية وراءهم ظهريا منذ أزمان، وعرفوا ما فيها من المساوئ والنقصان، وما بحثهم في المذاهب وما نتج عنها إلا لمعرفة مسالك أهلها في اجتهادهم، والنظر في نتائج ذلك من خلال ما زبروه في مصنفاتهم، والتي يقع ذكر بعضها بعد حين – إن شاء الله – فيأخذون منها ما كان موافقا للكتاب والسنة، ويسير على نهجهما وطريقتهما، وينبذون ما كان مخالفا لهما ومعارضا لسبيلهما، مع عذر الأئمة في ما أخطأوا فيه تلك الطريقة المستقيمة، لأسباب عددها الفضلاء من العلماء، فلم تعد خافية حتى على الدهماء الجهلاء، مع بقاء محبتهم وإجلالهم للأئمة كما علمهم دينهم الحنيف، ونظرهم إلى الأئمة على أنهم سلفنا الصالح الذين حفظ الله لنا بهم شرعه الشريف، فهم القدوة الحسنة، وأهل التقوى والعلوم المستحسنة، فأهل الحديث أعرف الناس بفضائل الأئمة الهداة المجتهدين، وأكثرهم تقديرا لجهودهم، وأحسنهم عذرا لهم فيما جانبوا فيه الصواب بحكم بشريتهم ومحدودية علومهم، فهم يسيرون على طريقتهم في الاجتهاد وإتباع الكتاب والسنة والاحتكام إليهما حين التنازع، وتقديمهما على كل قول.

ولا يرضون على أحد ينتقصهم أو يطعن عليهم أو يعيبهم، ويخرجونه من دائرتهم ويرونه سالكا غير سبيلهم، إذ كيف يطعن العاقل أو يذم من هم في الطليعة في التمسك بالكتاب والسنة والحرص على العمل بهما، إلا إذا كان مريضا مدخولا في فهمه وعقله، ومصابا بداء التعصب الذي يسعى أهل الحديث لعلاج أهله.

وأسلك – إن شاء الله - في هذه الحواشي الطريقة التقريرية الوصفية، وليس الدراسة التحليلية النقدية، وكان حقا أن أسلك الطريقة الثانية لما فيها من نفع وفائدة لمن ينظر في هذه التعليقات، وهي الطريقة المثلى لمن يبحث في مثل هذه المجالات، إذ صلاح المصنفات العلمية، وبيان ما يوجد في بعضها من خلل أو مزية، من أعظم طرق إصلاح التعليم، لأن بها يتكون التلميذ، وعليها يتخرج كل الأساتيذ، ولكنها محفوفة المخاطر، ويحتاج صاحبها أن يكون ممن حوى واحتوى ما في تلك الدفاتر، إضافة إلى قوة علمية، وفطرة سليمة قوية، وتلك القوة – كما يقول ابن خلدون – تحصل جزئية في علم إن كانت مكتسبة من قواعد العلم، والدربةِ على العمل به منذ النشأة، وكليةً وهي القوة الحاكمة في الفطرة - سماها المَلكَة العامة - وهي نادرة لأنها تعتمد أولا على قوة فطرية تهيئها الخلقة الأصلية، ثم يخدمها العلم والتحقيق.

والإشارة إلى ضرورة الدراسة النقدية التحليلية للمصنفات العلمية لأجدادنا الأوائل؛ لا تعني تنقصا لهم، ولا تزهيدا في علومهم، كيف وهم من فننوا العلوم، وقعدوا القواعد، وأتوا في الزمن الوجيز بالمطلب العزيز، بسبب إقبالهم على العلوم، وانقطاعهم عن زخارف الدنيا، ونصحهم لمن جاء بعدهم؛ وإنما القصد: الإصلاحُ والاستدراك على إنتاج بشري، غير معصوم من خطأ، ولا مبعد عن وهم، فما ألف الأوائل وصنفوا إلا وبين أعينهم وقوع بعض الهنات منهم، ولذلك كثر تنبيه المنصفين منهم على ضرورة استعمال النظر عند الاستفادة من كتبهم وعلومهم، والتنبيهِ على الاحتراز مما تقصر عنه عبارتهم، وعدم الاكتفاء بمجرد التقليد المحض، (فإنهم غرسوا لنُنمي، وأسسوا لنشيد، وابتدأوا لنزيد) كما قال العلامة ابن عاشور – رحمه الله -.

هذا وإني سالك في هذا السبيل طريق الاختصار ما استطعت، وربما أطيل حيث رأيت الفائدة، وأقدم عند ذكر المصنفات ما وجد له أثر، مكتفيا به عما ذهب وغبر، إذ الذي فات، لم تبق منه إلا الحسرات، وقد أذكر بعضها تذكيرا بفضل علم السلف، ولعل اسمها يثير شيئا في نفوسنا فيقوم البعض بكتابة شئ على وفق ما تَلِف، وأجتهد في الإشارة إلى مكان وجودها، وبيان طبعاتها إذا طبعت، أو من حققها إذا حققت في إحدي الجامعات، فإن كان تقصير فالأحباب ممن يطلع على هذه الكلمات يتحفنا بالتكميل، وله الشكر الجزيل، ولعلي إذا جَد الجِد؛ أنقل بعض كلام من وقف على تلك الدفاتر، مبينا لمناهجها وطرائقها في التصنيف، وغير ذلك من المهمات التي يحتاجها طلبة العلم، ثم أختصر الكلم اختصارا في الحديث عن تراجم أصحابها، كما أقتصر على ذكر المشهور من تلك الشروح والحواشي، والمتون والتقريرات، مما

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير