[القضاء بالقرائن]
ـ[عبدالعزيز بن سعد]ــــــــ[09 - 03 - 06, 11:12 م]ـ
القضاء بالقرائن والأمارات
في الفقه الإسلامي
بقلم: عبدالعزيز بن سعد الدغيثر?
(نشر في مجلة العدل - عدد شوال 1426هـ)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن إرادة العدل ونصرة المظلوم من أهم مقاصد القضاء في الإسلام، ولا يتأتى ذلك إلا بإطلاق حرية القاضي للبحث في القضية والنظر في ما يكتنفها من أحوال وأمارات. ومن أشهر مسائل البينات القضائية مسألة القضاء بالأمارات والقرائن. وفي هذا البحث تحقيق لهذه المسألة بذكر الخلاف فيها وحجة كل قول، ومن الله الهداية والتوفيق.
المطلب الأول: تحقيق المقصود بالقرائن القضائية
القرينة لغةً: مأخوذة من المصاحبة، ويراد بها العلامة
والمراد بالقرينة القاطعة في الاصطلاح، الأمارة البالغة حد اليقين. والمراد بالتعريف ما أجمع عليه العلماء، ولكننا نريد في هذا المبحث القرائن الظنية الغالبة في هذا المبحث فيكون التعريف المختار:
القرينة القضائية: هي كل أمارة ظاهرة تقارن شيئا خفيا فتدل عليه.
وعليه فالقرائن أنواع:
1 - قرائن قطعية، وهي حجة بلا خلاف. قال ابن نجيم في موضع آخر:"الحجة بينة عادلة أو إقرار أو نكول عن يمين أو يمين أو قسامة أو علم القاضي بعد توليته أو قرينة قاطعة". وفي مجلة الأحكام العدلية: ذكر أن أحد أسباب الحكم: القرينة القاطعة.
2 - قرائن ظنية، وهي التي فيها الخلاف. كالاختلاف في أثاث البيت بين المرأة والرجل، فهل يحكم بما يصلح للرجل له، وما يصلح للمرأة لها أم لا. فالخلاف فيها مشهور، وهو مبني على الخلاف في مسألتنا.
3 - قرائن متوهمة، كوجود الدم على قميص يوسف، فإنه قرينة على صدق دعوى إخوته، لكن عدم تمزيقه قرينة أخرى أقوى منها تدل على كذب الدعوى. وهي قرينة مردودة.
إلا أن القاضي قد يختلف نظره في القرينة، فقد يراها قطعية ويراها غيره ظنية، وقد يراها متوهمة ويراها غيره متوهمة، والعبرة بنظر الغالب والله أعلم.
المطلب الثاني: حكم اعتبار القرائن حجة عند القاضي
لا خلاف بين جمهور فقهاء المذاهب في بناء الحكم على القرينة القاطعة ويختلفون في التفاصيل والجزئيات، ويستثنى من ذلك الحدود إذ الخلاف فيها مشهور. ومع ما للقرائن من دور في تبيين الحق إلا أننا نلحظ عدم إفرادها بالذكر كالشهادة والإقرار لدى كثير من الفقهاء احتياطا واحترازا من قضاة السوء وسد للذريعة إذ قد يحكم قاض بحكم ويبنيه على قرائن ضعيفة.
وقد نصر هذا القول جماعة من المحققين والأئمة فعند ذكر القرافي لحجج القضاء والتي أوصلها إلى سبع عشرة حجة، ذكر منها القافة وشواهد الأحوال. وهي الأمارات والقرائن.
وقال المرداوي عند كلامه عن تنازع ذي اليد مع غيره:" وقال في التمهيد: يده بينة ... ". واليد قرينة من القرائن المعتبرة.
بل نجد شيخ الإسلام نسب القول بأن البينة ما يبين الحق ويظهره إلى الجمهور، ففي الفتاوى: والأصل عند جمهورهم أن اليمين مشروعة في أقوى الجانبين، والبينة عندهم اسم لما يبين الحق، وبينهم نزاع في تفاريع ذلك، فتارة تكون لوثا مع أيمان القسامة، وتارة يكون شاهدا ويمينا، وتارة تكون دلائل غير الشهود كالصفة للقطة. وقال ابن القيم رحمه الله: والبينة كل ما يبين له صدق أحدهما – يعني الخصمين- من إقرار أو شهادة ... ، أو القرائن الظاهرة عند الجمهور كمالك وأحمد وأبي حنيفة كتنازع الرجل وامرأته في ثيابهما. وممن نصر إفراد الأمارات بكونها حجة معتبرة شرعا شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وابن فرحون ونسبه الزحيلي إلى صديق حسن خان وكثير من الباحثين المعاصرين من أمثال الدكتور محمد الزحيلي والدكتور محمد الشنقيطي والدكتورة بدرية حسونة.
والاحتجاج بالأمارات والقرائن مستند إلى أدلة قوية من الكتاب والسّنّة وعمل الصّحابة:
1 - فأمّا الكتاب، فقوله تعالى:" وجاءوا على قميصه بدم كذب " (يوسف:18) فقد روي أنّ إخوة يوسف لمّا أتوا بقميصه إلى أبيهم تأمّله، فلم ير خرقاً ولا أثر ناب، فاستدلّ به على كذبهم فكان موقفه أن:"قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا .. " فحكم بكذبهم لقرينة عدم تمزق القميص.
¥