[نظرة في كتاب بداية المجتهد لابن رشد - بدر العمراني]
ـ[بدر العمراني]ــــــــ[28 - 12 - 05, 11:15 م]ـ
لقد سأل بعض الإخوة هنا بالملتقى عن منهج ابن رشد في كتابه "بداية المجتهد و نهاية المقتصد" فوعدته بالإدلاء بمقال الأخ الفاضل بدر العمراني، فها هو ذا، و أستسمح على التأخير، فقد نسيت و ذهلت عما وعدت به. و إليكم المقال:
نظرة في كتاب: بداية المجتهد و نهاية المقتصد
كتاب بداية المجتهد و نهاية المقتصد للقاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الحفيد، كتاب حفلت مجالس الدرس بحثا و تحقيقا، منذ سنين طوال، و قد كان لي معه احتكاك و مصاحبة من خلال مدارسته مع ثلاثة من شيوخي: الأول هو الشيخ عبد الله التليدي الذي حضرت عليه بزاويته أبوابا من الكتاب كان منهجه فيه السرد غالبا إلا ما تخلله من تعليق أو شرح أحيانا. و الثاني هو الدكتور محمد الروكي الذي حضرنا عليه جل كتاب القضاء فقرأناه قراءة بحث و تحقيق استخرجنا منه القواعد و الضوابط الفقهية المتناثرة فيه، فكانت دروسه تفضل دروس الأول بكثير. و الثالث هو الشيخ المقرئ مصطفى البحياوي الذي كنت أستفسره في بعض الأحيان عن عبارات غامضة لم أدرك مدلولها و مغزاها.
و خلال هذه الجولات و الحلقات العلمية التي خضتها مع الكتاب، استنتجت أمورا ينبغي التنبيه عليها، و هي:
عنوان الكتاب:
قد اشتهر هذا الكتاب باسم بداية المجتهد و نهاية المقتصد، في حين أن المؤلف نص على اسم آخر يشبهه فقال: … بيد أن في قوة هذا الكتاب أن يبلغ به الإنسان كما قلنا رتبة الاجتهاد إذا تقدم فعلم من اللغة العربية و علم أصول الفقه ما يكفيه في ذلك، و لذلك رأينا أن أخص الأسماء بهذا الكتاب أن نسميه كتاب: بداية المجتهد و كفاية المقتصد.
قلت: كذا ذكره ابن عبد الملك في الذيل و التكملة 6/ 22؛ لكن بعد قليل قال: (و هو الكتاب المسمى: بداية المجتهد و نهاية المقتصد). مما يدل أن هذا التغيير شاع قديما.
أصل الكتاب:
قد شاع بين العلماء و طلبتهم أن بداية المجتهد لابن رشد هو اختصار لكتاب الاستذكار لابن عبد البر، و هذا أمر لم ينص عليه ابن رشد في المقدمة، لكن يستخلص من شيئين، هما:
- قوله في آخر كتاب الطهارة: و أكثر ما عولت فيما نقلت من نسبة هذه المذاهب إلى أربابها هو كتاب الاستذكار.
- كثرة نقله عن ابن عبد البر خصوصا في مجال تخريج الأحاديث، و أحيانا يبهمه بقوله: بعض المحدثين، و انظر مثالا على ذلك الحديث رقم 688 من الهداية لابن الصديق.
إذا كان هذا ما اشتهر عندنا فنجد ابن عبد الملك يخبر بخلاف ذلك فيقول في الذيل و التكملة 8/ 22: أخبرني ابن زرقون أن القاضي ابن رشد استعار منه كتابا مضمنه أسباب الخلاف الواقع بين أئمة الأمصار من وضع بعض فقهاء خراسان فلم يرده إليه و زاد فيه شيئا من كلام الإمامين أبي عمر ابن عبد البر و أبي محمد ابن حزم و نسبه إلى نفسه، و هو الكتاب المسمى ببداية المجتهد و نهاية المقتصد.
و كذلك يقال (سمعت ذلك من أستاذنا الدكتور فاروق حمادة) بأن بداية المجتهد لابن رشد أصل لكتاب القوانين الفقهية لابن جزي، و أن الثاني ما هو إلا اختصار للأول، غير أني وجدت الشيخ عبد الله الجراري في الجزء الأول من كتابه "من أعلام الفكر المعاصر بالعدوتين: الرباط و سلا" يقول في تعليق له ص 207: و قد تكون القوانين هذه كشرح لبداية المجتهد لابن رشد.
قلت: و هذا رأي غريب، كيف يكون مجلد واحد شرحا لمجلدين!؟
من أوهام الكتاب:
- قال ابن رشد 8/ 566 (البداية مع الهداية): و أما اختلافهم في إقامة الحدود بظهور الحمل مع دعوى الاستكراه، فإن طائفة أوجبت فيه الحد على ما ذكره مالك في الموطأ من حديث عمر، و به قال قال مالك، إلا أن تكون جاءت بأمارة على استكراهها …
قلت: هذا وهم منه، فالإمام مالك رحمه الله لم يذكر حديثا في باب ما جاء في المغتصبة؛ بل ذكر مذهبه في المسألة التي ذكر مفادها المؤلف؛ إلا أن يكون الحديث ورد في رواية أخرى من روايات الموطأ. و الله أعلم.
- قوله 8/ 519: حديث ابن أبي ليلى عن سهل بن أبي حثمة و فيه: فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم: "تحلفون و تستحقون دم صاحبكم". قال ابن الصديق: كذا قال ابن أبي ليلى، و كذا وقع في أصل الموطأ المطبوع و هو خطأ و الصواب أبو ليلى بدون كلمة ابن.
و الكتاب كثير التصحيف و التحريف و السقط بحيث لا تجد في نسخه المطبوعة نسخة جيدة من حيث التصحيح و الضبط إلا ما يقال عن النسخة المطبوعة في أيام السلطان عبد الحفيظ. و من نماذج ذلك:
8/ 490: … و مالك يعتبر في إلزان الحكومة فيما دون الموضحة أن تبرأ على بين … و الصواب: … أن تبرأ على شين (بالشين).
8/ 618: حديث مالك عن ابن شهاب عن صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية أنه … و الصواب: … عن عبد الله بن صفوان عن صفوان بن أمية أنه …
8/ 518: … فلهذا أجاز مالك شهادة المسلوبين على السائبين … الصواب: … على السالبين ..
8/ 453: و اختلف العلماء في المقتص من الجرح يموت من ذلك الجرح. و الصواب: … يموت المقتص منه من ذلك الجرح.
ثم أختم هذا المقال بذكر منهج ابن رشد في الكتاب:
1 - تفريع مسائل الباب.
2 - معالجة كل مسألة على حدة.
3 - ذكر الاختلاف.
4 - بسط أدلة كل فريق و ذكر اعتراضات كل واحد على الآخر.
5 - توجيه بعض الأدلة من باب ما يستنبط منها.
6 - تضعيف بعض الأقوال إما تنصيصا أو إيماءً.
و الحمد لله رب العالمين. و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و على آله الطيبين الطاهرين، و صحابته الغر الميامين.
¥