أجعلها طليعة لما يأتي ذكره مفصلا – إن شاء الله -.
قال الشاطبي في الموافقات 1/ 139 (طبعة الشيخ مشهور) المقدمة الثانية عشرة: «من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به أخذه عن أهله المتحققين به على الكمال .... ) ثم تحدث – رحمه الله – عن سبب ذلك، وذكر للمتحقق بذلك أمارات وعلامات بها يعرف، ثم قال ص145: (وإذا ثبت أنه لا بد من أخذ العلم من أهله فلذلك طريقان: أحدهما المشافهة، وهي أنفع الطريقين وأسلمهما، لوجهين .... [فذكرهما] ثم قال 147: (الطريق الثاني مطالعة كتب المصنفين ومدوني الدواوين وهو أيضا نافع في بابه؛ بشرطين: الأول أن يحصل له من فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب، ومعرفة اصطلاحات أهله؛ ما يتم له به النظر في الكتب، وذلك يحصل بالطريق الأول [أخذه عن أهله] ومن مشافهة العلماء، أو مما هو راجع إليه، وهو معنى قول من قال: < كان العلم في صدور الرجال، ثم انتقل إلى الكتب، ومفاتحه بأيدي الرجال > والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئا، دون فتح العلماء، وهو مشاهد معتاد.
والشرط الآخر: أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد؛ فإنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين، وأصل ذلك التجربة والخبر .... ».
وقال – رحمه الله – في الفتاوى التي جمعها له الشيخ أبو الأجفان 163 - 164 مبينا بعض ما ذكره في الموافقات: ( ... وأما ما ذكرت لكم من عدم اعتمادي على التآليف المتأخرة، فلم يكن ذلك مني – بحمد الله - محض رأيي، ولكني اعتمدت بسبب الخبرة عند النظر في كتب المتقدمين مع كتب المتأخرين، وأعني بالمتأخرين كابن بشير وابن شاس، وابن الحاجب، ومن بعدهم؛ ولأن بعض من لقيته من العلماء بالفقه أوصاني بالتحامي عن كتب المتأخرين، وأتي بعبارة خشنة في السمع، ولكنها محض النصيحة، وأظنكم في هذا الاستقصاء كالمتساهلين في النقل عن كل كتاب جاء، ودين الله لا يحتمل ذلك لما أتحققه من أصوله).
وقال في جواب آخر ص164: ( .. وشأني أن لا أعتمد على هذه التقييدات المتأخرة ألبتة، للجهل بمؤلفيها، وتارة لتأخر زمان أهلها جدا، أو للأمرين معا، فلذلك لا أعرف كثيرا منها ولا أقتنيه، وإنما المعتمد عندي علي على كتب الأقدمين المشاهير).
وقال العلامة القرافي– رحمه الله – في كتابه [الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام .. ]
ص 261: (كان الأصل يقتضي أن لا تجوز الفُتيا إلا بما يرويه العدل عن العدل، عن المجتهد الذي يقلده المفتي، حتى يصح ذلك عند المفتي، كما تصح الأحاديث عند المجتهد، لأنه نقل لدين الله تعالى في الوصفين، وغير هذا كان ينبغي أن يحرم، غير أن الناس توسعوا في هذا العصر، فصاروا يفتون من كتب يطالعونها من غير رواية، وهو خطر عظيم في الدين، وخروج عن القواعد.
غير أن الكتب المشهورة، لشهرتها بعدت بعدا شديدا عن التحريف والتزوير، فاعتمد الناس عليها اعتمادا على ظاهر الحال، ولذلك أهملت راوية كتب النحو واللغة يالعنعنة عن العدول، بناء على بعدها عن التحريف، وإن كانت اللغة هي أساس الشرع في الكتاب والسنة، فإهمال ذلك في اللغة والنحو والتصريف قديما وحديثا؛ يعضد أهل العصر في إهمال ذلك في كتب الفقه بجامع بعد الجميع عن التحريف.
وعلى هذا تحرم الفتوى من الكتب الغريبة التي لم تشتهر، حتى تتظافر عليها الخواطر ويعلم صحة ما فيها، وكذلك الكتب الحديثة التصنيف، إذا لم يشتهر عزو ما فيها من النقول إلى الكتب المشهورة، أو يعلم أن مصنفها كان يعتمد هذا النوع من الصحة، وهو موثوق بعدالته، وكذلك حواشي الكتب تحرم الفتوى بها لعدم صحتها والوثوق بها).
وقال العلامة أبو عبد الله المقري كما نقل عنه صاحب المعيار 2/ 479: «لقد استباح الناس النقل من المختصرات الغريبة أربابها، ونسبوا ظواهر ما فيها إلى أمهاتها، وقد نبه عبد الحق في تعقيب التهذيب على ما يمنع من ذلك لو كان من يسمع، وذيلت كتابه بمثل عدد مسائله أجمع، ثم تركوا الرواية فكثر التصحيف، وانقطعت سلسلة الاتصال، فصارت الفتاوي تنقل من كتب لا يدري ما زيد فيها مما نقص منها؛ لعدم تصحيحها وقلة الكشف عنها، ولقد كان أهل المائة السادسة وصدر السابعة لا يسوغون الفتوى من تبصرة الشيخ أبي الحسن اللخمي، لكونه لم يصحح عليه ولم يؤخذ عنه، وأكثر ما يعتمد اليوم ما كان من هذا النمط، ثم انضاف إلى ذلك عدم الاعتبار بالناقلين، فصار يؤخذ
¥