تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

جاء في [عنوان الدرية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية] لأبي العباس الغِبْرِيني ص101 أن أبا العباس سأل شيخه أبا القاسم ابن زيتون عن اختيارات المتأخرين من الأصحاب كابن بشير واللخمي: ( ... فقال لي نعم، يحكى قول اللخمي وغيره قولا في المذهب، كما يحكى قول من تقدم من الفقهاء قولا في المذهب ... ) ثم قال الغبريني معقبا: (وأما جواب الفقيه أبي القاسم؛ فإنه مبني على سبيل النظر، لأنه رأى أن كل جواب بني على أصول مذهب مالك وطريقته، فإنه من مذهبه، والمفتي به إنما أفتى على مذهبه، فيصح أن تضاف الأقوال إلى المذهب وتعد منه).

وبهذا دخلت أقوال تلاميذ الإمام وأتباع مذهبه من العلماء المجتهدين ضمن مسمى المذهب، إذ كانت تسير على أصوله، ومخرجة على قواعده التي عرف بالاجتهاد على طرائقها، وبهذا توسع جدا مفهوم المذهب عند جماعة من الفقهاء، مما دعا المتأخرين لضبط هذا الأمر، فاصطلحوا على إطلاقه - كما قال الشيخ على العدوي 1/ 34 – (عند المتأخرين منهم على ما به الفتوى، من باب إطلاق الشئ على جزئه الأهم، مثل قوله – صلى الله عليه وسلم – (الحج عرفة) لأن ذلك هو الأهم عند الفقيه والمقلد).

وقد أحدث هذا التطور في تحديد معنى المذهب المالكي، والدور الذي قام به أتباع الإمام في بيان أصول المذهب، والاجتهاد وفق هذه الأصول، ونسبة كل ذلك للمذهب المالكي؛ أقول: أحدث عند بعض المستشرقين ومن تأثر بهم من بعض الباحثين من المسلمين ممن كتب في تاريخ التشريع؛ نوعا من اللبس أدى بهم إلى التصريح بأن المؤسس للمذهب المالكي – حقيقة - هم التلاميذ المباشرون للإمام مالك ومن جاء بعدهم وليس مالكا نفسه – رحمه الله – وجوابا عن هذا، وبيانا لسبب التسمية بالمذهب المالكي، وفي علاقة تلاميذ الإمام مالك بمذهبه يحدثنا الشيخ الفاضل ابن عاشور فيقول: (المذهب المالكي – مثلا - لم يسم مالكيا إلا لأن الأصول والمباد ىء الكلية التي تتعلق بالطرائق الاستنتاجية التي بها تستخرج الأحكام التفصيلية من أدلتها الإجمالية، أو التي يرجع بالمعنى الواضح إلى حجية أنواع من الأدلة يراها حجة في إثبات الأحكام، وإلى تقرير أن أنواعا أخرى قد يراها غيره لا يرى هو حجيتها.

كان هذا المعنى هو الذي جعل مالكا واضعا لأصول المذهب حتى يصح أن ينسب المذهب إليه وصح أن يحسب فقهاء هذا المذهب عليه، مع أنهم قد يوافقونه وقد يخالفونه).

فالإمام مالك - وغيره من أئمة المذاهب - قد وضعوا الأسس الأولى لبناء مذاهبهم الفقهية، ثم جاء التلاميذ فعملوا على تثبيت وتأكيد هذه الأسس والأصول المقررة صراحة أو ضمنا فيما نقل عن الأئمة. ويتجلى هذا التأكيد والتثبيت لأصول الأئمة عند تلاميذهم في إبراز قوة تلك الأصول، وبيان صلاحيتها لتحقيق ما جاءت الشريعة من أجله، وفي رد الفروع إلى أصولها، وبيان ارتباطها بها ..... فإذا قيل عن التلاميذ إنهم مالكية، فإنهم مالكية في الأصول ومالكية في المنهج، ولكنهم لم يكونوا مقيدين كما يقيد المستفتي مفتيه، لأنهم كانوا ينظرون في الأدلة كما ينظر مالك ويستخرجون منها الفروع كما يستخرج، بدليل أنهم اختلفوا مع إمامهم اختلافا واضحا في مسائل كثيرة، ومع ذلك فإنهم فيما يرجع إلى حجية الأصول التي يرجع إليها في استخراج الأحكام الفرعية كانوا متبعين للطريقة الأصلية المنهجية التي وضعها الإمام مالك استقراء من سير الفقه على عهد الصحابة وعهد التابعين - رضي الله عنهم - انظر في هذا [المحاضرات المغربيات] للشيخ محمد الفاضل ابن عاشور – رحمه الله -.

بقيت هنا قضية: وهي صلة الإمام مالك بفقهاء أهل المدينة واجتهاداتهم الفقهية، فقد رأى بعض الناس في اقتصار أتباع الإمام مالك على إظهار فقهه واجتهاداته ... دون غيره من فقهاء أهل المدينة من مشايخه ومعاصريه من المجتهدين ... واعتباره الممثل الأوحد لفقه أهل المدينة نوعا من الظلم والخطأ ... فقال: (وهنا يجب التنبيه على أن الإمام مالك لا يمثل بالضرورة فقه أهل المدينة كلهم، كما يزعم أتباعه. فهو له آراء واجتهادات تفرد بها. والمدينة فيها الكثير من الفقهاء من طبقته، ما وافقوه في كل اجتهاداته. فاختزال كل مذاهب هؤلاء الأئمة في مذهب الإمام مالك، ظلم لهم. ولعل أول من خلط بين الأمرين هو الإمام محمد بن الحسن في كتابه "الحجة على أهل المدينة"، فرد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير