والجواب عما استدلَّ به الحنابلة: أنه لا ينكر أن الماء مطهِّر، وأنه أيسر شيء تطُهَّر به الأشياء، لكن إثبات كونه مطهِّراً، لا يمنع أن يكون غيره مطهراً، لأن لدينا قاعدة وهي: أن عدم السبب المعيَّن لا يقتضي انتفاء المسَبَّب المعين، لأن المؤثِّر قد يكون شيئاً آخر. وهذا الواقع بالنسبة للنجاسة. وعبَّر بعضهم عن مضمون هذه القاعدة بقوله: انتفاء الدَّليل المعيَّن لا يَستلزِم انتفاء المدلول؛ لأنَّه قد يَثْبُتُ بدليل آخر.
وأما بالنسبة لحديث أنس، وأَمْرُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بأن يُصَبَّ عليه الماء (1) فإنَّ ذلك لأجل المبادرة بتطهيره، لأن الشَّمس لا تأتي عليه مباشرة حتى تُطهِّره بل يحتاج ذلك إلى أيام، والماء يُطهِّره في الحال، والمسجد يحتاج إلى المبادرة بتطهيره؛ لأنه مُصلَّى النَّاس.
ولهذا ينبغي للإنسان أن يُبادر بإزالة النَّجاسة عن مسجده، وثوبه، وبَدَنِه، ومصلاَّه لما يلي:
1ـ أن هذا هو هدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
2ـ أنَّه تخلُّص من هذا القَذَر.
3ـ لئلا يَرِدَ على الإنسان نسيان، أو جهالة بمكان النَّجاسة فيُصلِّي مع النَّجاسة.
قوله: "ولا ريح" أي: لا يطهُر المتنجِّس بالرِّيح، يعني الهواء. هذا هوالمشهور من المذهب.
والدَّليل: ما سبق أنَّه لا يُطَهِّر إلا الماء.
والقول الثَّاني: أنه يطهُر المتنجِّس بالريح (1)، لكن مجرد اليُبْس ليس تطهيراً، بل لابدَّ أن يمضي عليه زمن بحيث تزول عين النَّجاسة وأثرها، لكن يُستثنى من ذلك: لو كان المتنجِّس أرضاً رمليَّة؛ فحملت الرِّيح النَّجاسة وما تلوَّث بها، فزالت وزال أثرها؛ فإنها تطهر.
قوله: "ولا دَلْكٍ" أي: لا يطهُر المتنجِّس بالدَّلكِ مطلقاً؛ سواء كان صقيلاً تذهبُ عينُ النَّجاسة بدلكه كالمرآة، أم غير صقيل، هذا هو المذهب.
والقول الثَّاني: أن المتنجِّس ينقسم إلى قسمين:
الأول: ما يمكن إزالة النَّجاسة بِدَلْكِه، وذلك إذا كان صقيلاً كالمرآة والسَّيف، ومثل هذا لا يتشرَّب النَّجاسة، فالصَّحيح أنه يطهُر بالدَّلْكِ، فلو تنجَّست مرآة، ثم دَلَكْتَها حتى أصبحت واضحة لا دَنَسَ فيها فإنها تطهُر.
الثاني: ما لا يمكن إزالة النَّجاسة بِدَلْكِه؛ لكونه خشناً، فهذا لا يطهُر بالدَّلك، لأن أجزاءً من النَّجاسة تبقى في خلاله (1).
قوله: "ولا استحالةٍ" استحال أي: تحوَّل من حالٍ إلى حال.
أي: أن النَّجاسة لا تطهر بالاستحالة؛ لأنَّ عينها باقية.
مثاله: رَوْثُ حمار أُوقِدَ به فصار رماداً؛ فلا يطهُر؛ لأن هذه هي عين النَّجاسة، وقد سبق أن النَّجاسة العينيَّة لا تطهُر أبداً (2)، والدُّخَان المتصاعد من هذه النَّجاسة نَجِسٌ على مقتضى كلام المؤلِّف؛ لأنه متولِّد من هذه النَّجاسة، فلو تلوَّث ثوب إنسان، أو جسمه بالدُّخان وهو رطب، فلا بُدَّ من غَسْله.
مثال آخر: لو سقط كلبٌ في مَمْلَحَة "أرض ملح" واستحال، وصار مِلْحاً، فإنه لا يطهُر، ونجاسته مغلَّظة.
ويَستَثنون من ذلك ما يلي:
1ـ الخَمْرَة تتخلَّل بنفسها (1).
2ـ العَلَقَة تتحول إلى حيوان طاهر.
والصَّحيح: أنه لا حاجة لهذا الاستثناء، لأن الخَمْرة على القول الرَّاجح ليست نَجِسة كما سيأتي (2).
وأما بالنسبة للعَلَقة فلا حاجة لاستثنائها؛ لأنها وهي في معدنها الذي هو الرَّحم لا يُحكم بنجاستها، وإن كانت نجسة لو خرجت.
ولذلك كان بول الإنسان وعَذِرَتُه في بطنه طاهرين، وإذا خرجا صارا نجسَين، ولأن المصلِّي لوحمل شخصاً في صلاته لَصحَّت صلاته؛ بدليل أنّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَمَلَ أُمامة بنت ابنته زينب، وهو يُصلِّي (1)، ولو حمل المُصلِّي قارورة فيها بول أو غائط لَبَطلت صلاتُه.
ـ[عالية الهمة،،،]ــــــــ[20 - 01 - 06, 02:07 ص]ـ
جزاكم الله عني خيرا.
ـ[زياد عوض]ــــــــ[20 - 01 - 06, 02:31 ص]ـ
وجزاكم خير الجزاء