وبه قال من الصحابة علي ابن أبي طالب وابن عباس، وغيرهما، ومن التابعين والفقهاء سعيد بن المسيب، والحسن، والنخعي، وعطاء، وقتادة، والزهري، ويحيى بن سعيد القطان، ومالك، والليث، علقمة، وجابر بن زيد، وعبد الرحمن بن الأسود، وسليمان بن يسار، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وحمّاد بن أبي سليمان، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، انظر الأوسط لابن المنذر (5/ 336) والإنتصار في مسائل الكبار لأبي الخطاب محفوظ بن أحمد الحنبلي (2/ 660 - 661)،ومن المعاصرين الشيخ ابن العثمين رحمه الله كما في شرح الممتع (5/ 267).
وفي مسائل أبي داود كما في صـ 149: (قال سمعت أحمد سئل عن الرجل بغسل امرأته؟ فقال قل ما اختلفوا فيه، ولا بأس به والمرأة تغسل زوجها أيضاً)،
وكرهه طائفة ذلك كالشعبي، والثوري، وأصحاب الرأي) انظر الأوسط لابن المنذر (5/ 336).
قال الثوري: (نحن نقول لا تغسل المرأة زوجها لأنه لو شاء تزوج أختها حين ماتت، ونقول تغسل المرأة زوجها لأنها في عدة منه) المصنف لعبد الرزاق (3/ 256).
قلت: ومع جواز أن يتزوج أختها فإن الله سماها زوجة فقال في آية المواريث: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم)
المذهب الثاني: وذهب فريق منهم محمد بن حسن الشيباني والمالكية والحنابلة على أن تجهيز الزوجة على مالها إن كانت غنية، وإن كانت معسراً فعلى من كانت تجب نفقتها من أقاربها فإن لم يكن ففي بيت المال أو على المسلمين لأن الزوجية انقطعت بالموت فلا يحل له لمسها ولا النظر إليها. انظر رد المحتاج لابن العابدين (5/ 501) نظام الإرث في التشريع الإسلامي صـ 38.
وقال أبو علي ابن أبي هريرة (يجب في مالها لأنها بالموت صارت أجنبة منه فلم يجب عليه كفنها) المهذب للشيرازي (1/ 242).
وقال ابن حزم في المحلى (5/ 122 - 123) مسألة (571): (وكفن المرأة وحفر قبرها من رأس مالها ولا يلزم ذلك زوجها لأن أموال المسلمين محظورة إلا بنص قرآن أو سنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) وإنما أوجب تعالى على الزوج النفقة والكسوة والإسكان ولا يسمى في اللغة التي خاطبنا الله تعالى بها الكفن كسوة ولا القبر إسكاناً).
قال ابن قدامة (ولا يلزم تكفين الزوجة لأن النفقة تجب في مقابلة الإستمتاع وقد فات بالموت فسقطت النفقة) شرح الكبير (4/ 534 - رقم 3454).
والراجح – والله أعلم - من حيث الأدلة أن تجهيز الزوجة على زوجها وإن كانت غنية وهو مذهب أبي يوسف من الحنفية وهو قول الشافعي. انظر مغني المحتاج بشرح المنهاج (3/ 3) ومجمع الأنهر في ملتقى الأبحر (2/ 746).
وقال الشافعي: (بوجوب كفن المرأة على زوجها وإن كانت ذات مال) المسائل الفقهية التي انفرد بها الشافعي لابن كثير صـ102.
قال الشيرازي: (فإن لم يكن لها مال ولا زوج فالكفن على من يلزم نفقتها اعتباراً بالكسوة في حال الحياة). المهذب (1/ 242).
وإذا ثبت لك ذلك فإن على الزوج ما كان عليه في حال حياتها إلا أن المباشرة والاستمتاع قد حرم بالموت، قال أبو إسحاق: "يجب على الزوج – يعني الكفن – لأن من لزمه كسوتها في حال الحياة لزم كفنها بعد الوفاة، كالأمة مع السيد" المهذب للشيراني (1/ 242)،والنووي في المجموع (5/) والعمراني في البيان (3/ 40).
المذهب الثالث: تغسله ولا يغسلها، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري واستدلوا: ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف عن مسروق قال: (ماتت امرأة لعمر فقال إنا كنا أولى إذا كانت حية فأما الآن فأنتم أولى بها) وهذا سند رجاله ثقات إلا يزيد بن أبي سليمان وهو الكوفي سكت عنه الذهبي وقال الحافظ في التقريب (مقبول).
وقالوا إن الرجل لا عدة عليه وكيف يغسل امرأته وهي يحل له أن يتزوج أختها ويتزوج ابنتها إذا لم يكن دخل بها. الآثار لأبي الحسن الشيباني (2/ 38).
وأجابوا عن حديث عائشة "غسلتك "أي قمت بأسباب غسلك كما يقال بني فلان داراً وإن لم يكن هو بني ... وحديث علي رضي الله عنه أنه غسلها -فاطمة- فقد ورد أن فاطمة غسلتها أم أيمن ولو ثبت أن علياً رضي الله عن غسلها فقد أنكر عليه أبن مسعود رضي الله عنه حتي قال له علي أما علمت أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال (فاطمة زوجتك فى الدنيا والآخرة) فادعاؤه الخصوصية دليل علي أنه كان معروفاً بينهم أن الرجل لا يغسل زوجته وقد قال صلي الله عليه وآله وسلم (كل سبب ونسب منقطع بالموت إلا سببي ونسبي) فهذا دليل على خصوصية في حقه وفي حق علي رضي الله عنه أيضا لأن نكاحه من أسباب رسول الله صلى الله عليه وسلم. المبسوط (2/ 115)
وقد يقولون أيضاً "أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اغتسلت قبل موتها وأوصت أن لا يحرك فدفنت بذلك الغسل, وفي هذا دليل على أن علياً لم يغسل فاطمة.
ويجاب أن هذه رواية لا تصح كما قال ابن حزم في المحلى (5/ 175) وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 277) وقال الشيخ أحمد شاكر "ولعلها من مفتريات الشيعة وغسل الميت إنما يجب بعد موته فالغسل قبله لايسقطه ومعاذ الله أن تامر فاطمة رضي الله عنها بهذا"
قلت وهذا هو الصواب لأن الغسل إنما يكون لحدث الموت فكيف يغتسل قبل الحدث، وشروع عبادة قبل وقتها بغير ضرورة محال والله تعالى أعلم ....