مثال: عن عائشة رضي الله عنها قالت: من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائما فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدا.
فهذا ليس نفيا قاطعا لأنها لم تشاهده في كل أحواله.
ثمرة هذا التقسيم:
تظهر ثمرة هذا التقسيم عند التعارض وكما يلي:
1 - اذا تعارض نقل الترك الجازم مع نقل الفعل لم يترجح احدهما على الآخر. وهنا لابد من التماس دليل خارجي في الترجيح.
2 - اذا تعارض نقل الترك الظني مع نقل الفعل قدم نقل الفعل.
مثال تطبيقي:
عن حذيفة ان النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما.
فهذا نقل للفعل. وحديث عائشة المتقدم نقل للترك. فهنا قدموا حديث حذيفة على حديث عائشة لان نقل الفعل مقدم على نقل الترك الظني. وسبب ذلك ان المثبت مقدم على النافي.
الأمر الثاني:
قال ابن القيم رحمه الله: (عدم نقلهم لما لو فعله لتوفرت هممهم ودواعيهم على نقله هو نقل لتركه، فحيث لم ينقله واحد منهم البتة ولا حدث به، علم انه لم يكن) اعلام الموقعين (2/ 372).
ومثل له ابن القيم بترك التلفظ بالنية عند دخوله في الصلاة، وترك قنوت الفجر. ثم قال: (ومن الممتنع أن يفعل ذلك ولا ينقله عنه احد).
وهذه القاعدة (ترك النقل هو نقل للترك) التي ذكرها ابن القيم قال بها أيضا أئمة آخرون مثل ابن دقيق العيد كما في إحكام الأحكام (1/ 260) وابن رشد كما نقله عنه الشاطبي في الموافقات (2/ 413).
ثم ذكر ابن القيم اعتراضا على هذه القاعدة فقال:
(إن قيل لكم: من أين لكم انه لم يفعله وعدم النقل لا يستلزم نقل العدم؟)
ثم أجاب عن ذلك: (فهذا سؤال بعيد جدا عن معرفة هديه وسنته وما كان عليه. ولو صح هذا السؤال وقُبل لاستحب لنا مستحب الغسل لكل صلاة وقال من أين لكم انه لكم ينقل؟ واستحب لنا مستحب آخر الأذان للتراويح وقال من أين لكم انه لم ينقل وانفتح باب البدعة. وقال كل من دعى إلى بدعة: من أين لكم انه لم ينقل؟
ومن هذه تركه صلى الله عليه وسلم أخذه الزكاة من الخضراوات والمباطخ.وهم يزرعونها بجواره بالمدينة كل سنة فلا يطالبهم بالزكاة ولا هم يؤدونها إليه).
اعلام الموقعين (2/ 372).
مناقشة القاعدة: إن إثبات هذه القاعدة (ترك النقل هو نقل للترك) على إطلاقها لا يصح لانه يؤدي الى عدم العمل بعمومات النصوص حتى ينقل لنا ان النبي صلى الله عليه وسلم فعلها.
بيانه: ان اندراج أي جزئي من الجزئيات تحت نص عام فانه يعطى حكم العام وان لم ينقل إلينا ان النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا الجزئي بخصوصه.
وهذه القاعدة المذكورة آنفاً تقتضي ان هذا الجزئي لا يعطى حكم العام حتى ينقل إلينا ان النبي صلى الله عليه وسلم فعله بخصوصه بالرغم من انه يشمله العام. ومن ثم يكون كل جزئي من العام لم ينقل الينا ان النبي صلى الله عله وسلم فعله فانا لا نعمل به وهذا يعني ان العمل يتوقف على نقل الفعل وعمه لا على النص العام وهذا يعود على النص العام بالالغاء وكل فرع عاد على أصله بالإبطال فهو باطل.
فاذاً القول بهذه القاعدة على اطلاقها يمنع العمل بالعمومات وهو باطل.
ويزيد ذلك وضوحا ما جاء عن اهل العلم من الخلاف في الأصناف الخارجة من الارض التي التي تؤخذ منها الزكاة. فلو كان ترك النقل نقلا للترك لصح قول الظاهرية القائلين بالاقتصار على الأصناف الأربعة لكون ان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه انه اخذ الزكاة مما عداها، ولكن الجمهور خالفوهم فاخذوا بالعموم وان اختلفوا في تفاصيل ذلك ولم يعملوا بهذه القاعدة.
قال ابن العربي المالكي:
} فان قيل فلم لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم انه اخذ الزكاة من خضر المدينة وخيبر؟ قلنا كذلك قال علماؤنا، وتحقيقه انه عدم دليل لا وجود دليل، فان قيل لو اخذ لنقل؟ قلنا وأي حاجة إلى نقله والقران يكفي فيه؟ {أحكام القران (2/ 752)
فقوله والقران يكفي فيه هو ما قلنا من إعمال عموم القران في جميع أفراد ذلك العام ولا يتوقف على ما نقل الأخذ منه حقا.
انظر أفعال الرسول للدكتور سليمان الأشقر (2/ 68 - 74).
وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
ـ[أبو الزهراء الشافعي]ــــــــ[07 - 03 - 06, 12:43 ص]ـ
بارك الله في المصلحي.
وعجل بهذا البحث لتعم الفائدة.