و لما كان الشارع لم يصرف لفظ الإجماع عن معناه اللغوي إلى معنى شرعي، فعلينا أن نلتزم بمعناه اللغوي، و لذلك قلت في مشاركتي الأولى (الذي أعتقده أن الإجماع المعتبر شرعا هو الإجماع على الكتاب و السنة و إجماع الصحابة فقط) فسألتني (ما الدليل على أن الإجماع المعتبر شرعا هو إجماع الصحابة فقط؟)
أرأيت الفرق؟
لقد أدخلت الكتاب و السنة في مسمى الإجماع، و أخرجتهما أنت سيرا على ما شاع في تعريف الإجماع عند الأصوليين.
إن كنت ستجد حرجا في ذلك يمكنك أن تقول (الإجماع على ما لم يرد في الكتاب و السنة) فالإشكال أن تُبقي لفظ الإجماع مفردا ونحن نعني ما لا نص فيه دون قرينه تثبت إخراج النص منه.
اقتباس:
الدليل الأول يقتضي ألا يوجد إجماع أصلا
لأنه لم يقع قط اسم جميع المؤمنين على الصحابة في أي وقت من الأوقات، فإن وجد ذلك فليذكره لنا الأخ الكريم؛ وذلك لأنه سلف منهم كثيرون قد ماتوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فيقتضي هذا الكلام ألا يتم الإجماع قط إلا في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي هذا إبطال للإجماع أصلا.
وقد كان في عصر الصحابة كثير من المؤمنين ممن لم ير النبي صلى الله عليه وسلم من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية وأسلموا ولم يلقوا النبي صلى الله عليه وسلم، فهم من المؤمنين قطعا، ومع ذلك ليسوا من الصحابة، فلم يقع قط اسم جميع المؤمنين على الصحابة في أي وقت من الأوقات.
نتفق أن جميع المؤمنين شهدوا عصر الصحابة و هذه الصفة لم تتحقق لأي عصر بعد ذلك!!. لا يضر من مات من الصحابة أو من المؤمنين غير الصحابة في هذا العصر، و لا يضر إن مات قبل أو بعد النبي ففي كل الأحوال قد شهد عصر الصحابة و انتمى إليه، فإن سألت كيف يكون إجماع هذا العصر هو إجماع جميع المؤمنين؟، أقول: تحديدي لكيفية إثبات إجماع الصحابة يرفع هذا الإشكال:
حيث قلت: (و أن إجماع الصحابة هو الاستناد إلى قرينة ما لإثبات أمر عُرف و شاع في عصرهم دون أن يخالفه أحد)
فمفاد قولي أن الإجماع على ما ليس فيه نص يثبت بما شاع في عصر الصحابة، و ليس ما شاع في جزء من هذا العصر، فالإجماع يُنسب إلى العصر لا إلى أفراد بعينهم و يثبت بقرينة ما. و لذا فكل من شهد العصر ولو لأيام فقد دخل لزوما في إجماع هذا العصر على ما ليس فيه نص.
فإن قلت كيف تيقنت أن هذا الذي شهد عصر الصحابة أياما قد اتفق مع كل ما شاع و عُرف فيه؟
أقول: سيتضح ذلك من الرد التالي.
اقتباس:
الدليل الثاني يقتضي ألا يوجد إجماع أصلا أيضا
لأنك ذكرت في مشاركتك الأولى أن بعض الناس ذهب إلى أن الإجماع هو الكتاب والسنة فقط، ولو رجعت لكتب الأصول لوجدت بعض أهل العلم قد أنكر حجية الإجماع أصلا، ولذلك نص بعضهم على أن منكر الإجماع ليس بكافر (وهذا فيه تفصيل ليس هنا محل بحثه).
فلو أردنا أن نعرف الجزء المشترك بالإجماع في تعريف الإجماع لحصلنا على (صفر) لأنه لا يوجد جزء مشترك بالإجماع.
وكذلك فمحاولة معرفة الجزء المشترك في تعريف الإجماع بالإجماع يعده أهل المنطق من الدور؛ لأنك تستدل على الإجماع بالإجماع، وهذا لا يصح مطلقا في الاستدلال.
عندما قلت أن بعض الناس ذهب إلى أن الإجماع هو الكتاب و السنة فقط كنت أقصد بذلك من أنكر حجية الإجماع على ما ليس فيه نص، و لكن استخدامي للفظ الإجماع بمعناه اللغوي هو ما دفعني إلى هذا التعبير كما أوضحت في مطلع ردي، و قريب من ذلك قول الإمام أحمد الذي نقله الشوكاني في الإرشاد و غيره (من أوجب الإجماع فقد كذب) يقصد الإجماع على ما ليس فيه نص فأقره و لم يوجبه.
نتفق أننا لو وصلنا إلى الجزء المشترك في تعريف الإجماع أو الجزء المشترك عند كل المؤمنين، سنكون قد وصلنا إلى إجماع متيقن بلا خلاف، المطلوب الآن إثبات أن هذا الجزء ليس صفرا. و هذا ما كان يمكن أن يكون محل الاستنباط من كلامي السابق.
قلت (نصر الدين):
أن الخلاف في تعريف الإجماع يثبت أنه لا إجماع على معنى الإجماع، فإذا كانت القاعدة و هي تعريف الإجماع (على أي وجه) لا إجماع عليها، فبالتالي كل ما بُني عليها من أقوال و أحكام لا إجماع عليه.
¥