و هنا يجب أن نبحث عن القاسم المشترك بين كل من عرفوا الإجماع، فيكون هذا القاسم المشترك هو الإجماع المتيقن حقا، و هذا القاسم المشترك هو ما ذهبت إليه في تعريف الإجماع فما اختلف مسلمان قط على الكتاب و السنة و أن ما أجمع عليه جمع الصحابة رضي الله عنهم دون خلاف من أحد منهم إجماعا متيقنا مقطوعا بصحته لا يحل لأحد خلافه.
حتى الذين حصروا الإجماع في النص قالوا أن إجماع الصحابة لم يخرج قط عن النص.
(انتهى)
من ذلك يتضح إشارتي أن القاسم المشترك موجود أيضا عند الذين حصروا الإجماع في النص , وهذا ما كان محل الاستنباط، و أرجو المعذرة فالحوار ليس محل استنباط، و قد أخطأت بعدم التفصيل!
و الفرق بين ما ذهب إليه من أنكر الإجماع على مالا نص فيه، و ما ذهبت إليه هو الخلاف على الكيفية التي تكفل الله فيها بحفظ الوحي، فالوحي عندهم لم يُحفظ إلا بالنص، بينما أرى أنه حُفظ بالنص و بما أجمع عليه عصر الصحابة، فعصر الصحابة ينقسم إلى قسمين جزء قبل موت الرسول و جزء بعده، أي أن الجزء الذي عاش فيه النبي داخل في مسمى عصر الصحابة و لا يمكن إخراج هذا الجزء من مسمى عصر الصحابة، و بذلك يصح أنه لا يمكن أن يشيع في هذا العصر شيء بين المؤمنين دون أن يقره النبي بالسكوت أو ينهى عنه أو ينزل فيه نص قرآني يقره أو يبطله. و سكوت النص دليل الإقرار، و بذلك عرفنا أنه متى أجمع عصر الصحابة على أمر ما و لم يتطرق إلينا الشك أنه من أمر الدين، كان هذا الأمر من الوحي، ثبت ذلك بسكوت الله و رسوله عن هذا الأمر بعد شيوعه في ذلك العصر.
الخلاصة أن ما أجمع عليه المؤمنون هو الحق، و الحق لا يكون إلا من عند الله، و بطل كل شئ دون ذلك، ثبت ذلك بقوله تعالى (الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) و قوله (والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) و قوله (ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور). (فماذا بعد الحق إلا الضلال)
أما الاستدلال على الشئ بالشئ نفسه، و هو الذي يبطله أهل المنطق، ليس كالاستدلال على الإجماع هنا، إذ لا يمكن الاستدلال على شئ إلا بما تعرفه، فالاستدلال يعني المعرفة، فكيف تستدل على ما لا تعرف بما لا تعرفه أصلا؟ هذا مراد أهل المنطق من إبطال الاستدلال على الشئ بالشئ نفسه، أما نحن فنستدل على الإجماع بعد أن عرفنا أنه ما أجمع عليه كل المؤمنين. أي عرفنا الإجماع و لكننا نستدل على حدوده و نطاقه و ليس على ذاته. و الفرق شاسع بين الأمرين. فتأمل.
و قد كنت قد قلت في الدليل الثالث و الرابع بإيجاز:
الدليل الثالث:
قد صح في الأثر مرفوعا (من أحدث من أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). و أمر النبي و أصحابه لم يخرج قط عن الكتاب و السنة و إجماع الصحابة. فثبت بذلك إبطال كل أمر غير ذلك.
الدليل الرابع:
أن الدين قد كمل بقوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم)، و ما كمل في اللغة لا يمكن الزيادة عليه أصلا. فلا يمكن إضافة شئ للدين و إلا كان في ذلك اتهام لله جل شأنه بعدم إكمال الدين.
كان من الممكن أن يساعدك في استنباط مقصدي الذي لم تستنبطه، و لكني لا ألوم عليك، فالخطأ كان من عندي.
اقتباس:
الدليل الثالث يقتضي أيضا ألا يوجد إجماع
لأن حديث (من أحدث في أمرنا) عائد على معنى الكتاب والسنة، فكأن غيره تبع أو تحصيل حاصل.
وأيضا فقد اتفق شراح الحديث على أن معناه تحريم الإحداث في العبادة، وليس معناه تحريم ما يستجد من معاملات الناس، فالحديث في جزئية العبادات فقط، فلا يصح الاستدلال به على عموم المسائل الشرعية، وقد أحدث الناس كثيرا من الأمور في غير العبادات ولم يختلف أحد في جوازها وصحتها، وإن أردت أن تخالفني في معنى الحديث فالرجاء ذكر المصدر.
إن كان تحريم الإحداث في الدين مقصورا على العبادة، فمعنى ذلك أنه يُباح إحداث أمور في الدين في غير العبادة. و هذا يُبطله قول الله تعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم)
¥