2 - المالكية:
ذهب المالكية- كما سبق وعرفنا - إلى حرمة التداوي بالخمر مطلقاً، وقد نصوا على ذلك في كتبهم.
جاء في حاشية الدسوقي: (ولا يجوز استعمال الخمر لاجل دواء، ولو لخوف موت) أي فإن وقع ونزل وتداوى به شرباً: حُدَّ.
وقال ابن العربي رحمه الله: اختلف العلماء فيما لو استهلكت في الأطعمة والأدوية! هل يجوز استعمال ذلك الطعام أو ذلك الشراب أم لا؟ فأجازه ابن شهاب ومنعه غيره، وتردد علماؤنا في ذلك، والصحيح أنه لا يجوز لقول النبي ? (إنها ليست بدواء ولكنها داء)
وقال الخرشي: ولا يجوز التداوي بالخمر، ولو كان ذلك طلاءً من خارج الجسد، وهو المشهور ,
وعليه: إن تداوى به شرباً حُدَّ، ولو فعله لخوف الموت بتركه.
وقال الأزهري في جواهر الإكليل: ولا يجوز المسكر لدواء، إن كان بأكل أو شرب , بل ولو كان طلاءً على ظاهر الجسد.
وقال في بلغة السالك: ولا يجوز استعمال الخمر لدواءٍ ولو خاف الموت لأنه لا شفاء فيه.
وذم الشاطبي هذا العمل وجعله من عمل بعض الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام فيقول: (كما أن من الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام من استباح شرب الخمر على قصد التداوي بها واستجلاب النشاط في الطاعة، لا على قصد التلهي ... )
3 - الحنابلة:
ذهب الحنابلة على حرمة التداوي بالخمر، بل ذهبوا إلى حرمة التداوي بالمحرمات كلها أخذاً من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام التي فيها (ما جعل الله شفاءكم فيما حرم عليكم) وقد سبق ذكره وقد نص العلماء على ذلك في كتبهم.
قال ابن قدامة رحمه الله: ولا يجوز التداوي بمحرم ولا بشيء فيه محرم، مثل ألبان الأتن ولحم شيء من المحرمات، ولا شرب الخمر للتداوي به، لما ذ كرنا من الخبر ولان النبي ? ذكر له النبيذ يصنع منه للدواء، فقال: إنه ليس بدواء.
وقال في شرح منتهى الإرادات، يتكلم عن الخمر: ولا يجوز استعماله لدواء.
وقال في كشاف القناع: ولا يجوز شربه أي المسكر للذة ولا لتداو , لما روى وائل بن حجر أن طارق بن سويد ... وذكر الحديث , وقد سبق.
وتوسع الإمام ابن القيم رحمه الله في بحث التداوي بالمحرمات في أكثر من كتاب من كتبه , فقال في زاد المعاد أن ذكر كلاماً طويلاً كعادته رحم الله) ... وأيضاًُ فإن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق ن وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته وهذا ضد مقصود صاحب الشريعة، فلا يجوز اتخاذه دواء.
وذكر مثل ذلك أيضاً في الطب النبوي. وجعل - رحمه الله- هذا العمل والدعوة إليه (أي التداوي بالخمر) من كيد الشياطين وسخريته بأتباعه , فقال: وقد يبيح هؤلاء شرب الخمر على وجه التداوي. ويعني بقوله هؤلاء الذين سلكوا سبل الغواية وكيد الشياطين.
وهناك أقوال أخرى لابن تيمية وغيره ستأتي في البحث أن شاء الله.
4 - الشافعية:
ذهب الشافعية إلى حرمة التداوي بالخمر إذا كانت صرفة غير ممزوجة ولا مستهلكة أما إذا كانت ممزوجة بشيء آخر تستهلك فيه فيباح عندها التداوي بشروط معينة , والذي فهمته أن هذا مذهب معظم الشافعية خلا الإمام النووي رحمه الله تعالى. وقد ذكرنا في بداية الكلام تلك الشروط، ونعيدها للتذكر فنقول هي:
1 - أن لا يكون هناك دواء آخر من الطاهرات يحل محلها، بل يجب أن يتعين ذلك دواءً.
2 - أن يدل على ذلك طبيب عدل مسلم.
3 - أن يكون القدر المستعمل لا يسكر.
4 - أن لا يقصد المتداوي عند تناوله إياها اللذة والنشوة.
كل هذا نص عليه علماء المذهب رحمهم الله تعالى في كتبهم.
نبدأ بالإمام النووي رحمه الله , فقد نص صراحة على حرمة الخمر للتداوي. وذكر أن لهذا الحكم (شرب الخمر للتداوي والعطش) أربع حالات. فقال:
الصحيح عند جمهور الأصحاب: لا يجوز فيهما.
والثاني: يجوز،
والثالث: يجوز للتداوي دون العطش.
والرابع عكسه.
قال الرافعي: الصحيح عند الجمهور لا يجوز لواحد منهما. ودليله حديث وائل بن حجر رضي الله أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي ? عن الخمر فنهاه وكره أن يصنعها ... رواه مسلم في صحيحه، واختار إمام الحرمين والغزالي جوازها للعطش دون التداوي، والمذهب الأول، وهو تحريمها لها، وممن صححه المحاملي ..
هذا مذهب النووي الذي يوافق فيه جمهور الفقهاء.
¥